أشرف سمّاه مثقف من العيار الثقيل أختار الظل

اليوم يتمّ أشرف سمّاه عامه الستون، ويبدأ فصلًا جديدًا مع الحياة؛ فصلًا أكثر هدوءًا وعمقًا، محمّلًا بخبرات السنين، ومتصالحًا مع ما مضى، ومقبلًا على ما هو آتٍ بقلبٍ مفتوح وعقلٍ أكثر حكمة. ستون عامًا لم تكن مجرد أرقام، بل رحلة طويلة من الإيمان بالفكرة، والانحياز للإنسان، والعطاء الصامت الذي لا ينتظر مقابلًا ولا يسعى إلى الضوء.

كان أشرف سمّاه واحدًا من أولئك الذين يمرّون في الحياة بهدوء، لكن أثرهم يظل عميقًا ومتجذرًا في كل من عرفهم. شاعرًا ومثقفًا كبيرًا، اختار البقاء في منطقة الظل، لا لأن قامته أقل من النور، بل لأن قناعته الراسخة كانت أن الفكرة أهم من صاحبها، وأن الرسالة تكون أصدق حين لا تطلب تصفيقًا ولا تطارد مجدًا شخصيًا.

آمن بأفكار جمال عبد الناصر بوصفها منظومة قيم إنسانية قبل أن تكون شعارات سياسية؛ قيم العدالة الاجتماعية، والكرامة الوطنية، والانحياز للبسطاء. كان ناصريًا بالمعنى الأخلاقي العميق، يرى في الوطن مسؤولية مشتركة، وفي الثقافة سلاحًا ناعمًا لا يقل أثرًا عن أي قوة أخرى. ومع هذا الإيمان، لم يكن يومًا أسير التعصب أو الإقصاء، بل كان واسع الصدر، رحب العقل، يفتح بيته وقلبه وفكره لكل من يختلف معه.

في حضوره، كان الاختلاف مرحّبًا به، لا باعتباره تهديدًا، بل فرصة للفهم والتكامل. استقبل المختلفين معه بحب وترحاب حقيقيين، بلا مجاملة ولا ادعاء. كان يؤمن أن الثقافة لا تزدهر إلا في مناخ الحوار، وأن الأفكار الكبرى لا تخشى النقاش، بل تقوى به. لذلك التف حوله كثيرون من اتجاهات فكرية وسياسية متباينة، وجدوا فيه إنسانًا قبل أن يجدوا مثقفًا، وصديقًا قبل أن يجدوا شاعرًا.

ظل أشرف سمّاه داعمًا لكل من حوله، يمنح من وقته وجهده وموهبته بسخاء. شجّع الأصوات الشابة، وساند التجارب الجديدة، وفتح الأبواب لمن أُغلقت في وجوههم أبواب كثيرة. لم يسعَ يومًا إلى الصفوف الأولى، بل كان راضيًا بدوره في الخلفية، حيث تُصنع التفاصيل الصغيرة التي تشكّل في النهاية المشهد كله.

وكان شعره مرآة صادقة لشخصيته: إنسانيًا، بسيطًا، منحازًا للناس، بعيدًا عن الزخرفة الفارغة. يكتب وكأنه يحاورك، لا وكأنه يعتلي منصة. أما ثقافته فكانت جامعة لا مفرّقة، ترى في التنوع ثراءً، وفي الاختلاف علامة صحة لا مرض.

في عامه الستين، لا يحتفل أشرف سمّاه بعمرٍ مضى فحسب، بل برصيد إنساني وثقافي تراكم عبر سنوات من المحبة، والدعم، والمواقف النزيهة. ستون عامًا كانت تمهيدًا، وربما كان القادم أجمل، لأن من عاش وفيًّا لأفكاره ومخلصًا لقيمه لا يبدأ الشيخوخة، بل يبدأ النضج الحقيقي. هكذا يبقى أشرف سمّاه حاضرًا في الذاكرة والقلوب، أثرًا صامتًا، لكنه عميق، وأصدق من أي لقب، وأبقى من أي ضوء عابر

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى