رفعت فياض يكتب: القضاء على الدروس الخصوصية بترخيص “مزاولة المهنة”

مليار جنيه على الأقل أصبحت الأسر المصرية سنويًا تتحملها حاليًا من أجل الدروس الخصوصية لأبنائها في مختلف المراحل التعليمية، خاصة في مرحلة الثانوية العامة.

نعم، مليار جنيه سنويًا، كما يؤكد ذلك كثير من خبراء الدراسات الاقتصادية والاجتماعية، أي أكثر من ميزانية وزارة التربية والتعليم بالكامل التي تنفقها على العملية التعليمية بشكل مباشر.
هذا الواقع أصبح موجودًا الآن بعد أن تحولت الدروس الخصوصية وسناترها إلى تعليمٍ موازٍ في المنازل وفي سناتر الدروس الخصوصية، وتحولت المدارس إلى مجرد مبانٍ خاوية على عروشها بعد أن هجرها الطرفان من الطلاب والمدرسين من أجل هذه الدروس.

وكانت نسبة الحضور قبل ذلك تتراوح ما بين 9% إلى 15% فقط، كما يؤكد على ذلك وزير التربية والتعليم محمد عبد اللطيف قبل أن يتولى مسؤولية الوزارة منذ عام ونصف فقط.

ومع أن نسبة الحضور بالمدارس قد زادت حاليًا طبقًا للتصريحات الرسمية لوزير التربية والتعليم، ووصلت في المتوسط إلى حوالي 87% باستثناء طلاب الصف الثالث الثانوي، وذلك بعد أن تم تطبيق العديد من الإجراءات الانضباطية في جميع مدارس مصر فور أن تولى الوزير الحالي مسؤولية وزارة التربية والتعليم في شهر يوليو من العام الماضي، وعودة نظام الحضور والغياب بقوة، وكذلك التقييمات الأسبوعية والشهرية، إضافة إلى عودة نظام المرور والمتابعة المستمرة يوميًا على جميع المدارس، وإرسال كشوف الغياب والحضور يوميًا إلى مديريات التربية والتعليم ثم إلى الوزارة، عادت المدرسة مرة أخرى لتقوم بدورها التربوي في التربية، والتنشئة، والتوجيه، والتثقيف، وبناء الشخصية، والتشكيل الوجداني للطلاب، ثم التعليم، خاصة وأن مسمى الوزارة نفسها هو: وزارة «التربية ثم التعليم».

وقد نتج عن ذلك، دون قصد مباشر، ونتيجة لعودة الطالب والمدرس إلى المدرسة مرة أخرى، تراجع نسبة الدروس الخصوصية بنسبة 50% سواء في البيوت أو السناتر، نظرًا لتواجد الطالب والمدرس بالمدرسة طوال اليوم الدراسي، ولم يعد هناك دروس أو سناتر منذ الصباح الباكر وحتى منتصف الليل كما كان الحال قبل عودة الطالب والمدرس إلى المدرسة مرة أخرى.
إلا أن الدروس الخصوصية وسناترها ما زالت مستمرة ومتواجدة بقوة، وما زالت تمثل جريمة في حق العملية التعليمية ومخربة لها، لأن دورها يقتصر فقط على تدريب الطالب على كيفية تحصيل الدرجات والإجابة عن الأسئلة في شكل «كبسولة»، دون أن تهتم هذه السناتر بالجوانب التربوية للطلاب. وأصبحت علاقة الطلاب بالمدرس في هذه السناتر قاصرة على المدة الزمنية المحددة للدرس، وبعدها ينصرف المدرس إلى مكان آخر وسنتر آخر للدروس الخصوصية. والأخطر من ذلك أن ما يزيد على 80% ممن يقومون بالتدريس في هذه السناتر ليسوا تابعين لوزارة التربية والتعليم، وليسوا معلمين تربويين أيضًا، بل هم من خريجي كليات الطب والهندسة والعلوم لتدريس مواد الأحياء والرياضيات والكيمياء والفيزياء.
وقد يسأل البعض: لماذا لم يتم غلق هذه السناتر من جانب وزارة التربية والتعليم؟

والإجابة ببساطة أن هذا الشأن ليس من مسؤولية وزارة التربية والتعليم من الناحية القانونية، وليس من المعقول أن تترك الوزارة مهمتها الأساسية في التعليم وتطارد هؤلاء الذين يعملون بهذه السناتر، وهم أصلًا ليسوا تحت مظلتها وليسوا تابعين لها. كما أن هذا الشأن من اختصاص المحليات فقط.
وكان قد حدث أنه عندما قام محافظ سابق بكل من الشرقية وبورسعيد بإغلاق بعض من هذه السناتر، تجمهر ضد هذا القرار وقتها الطلاب وأولياء الأمور بحجة أنه ليس فيه عدالة أو مساواة مع بقية أبنائهم في المحافظات الأخرى التي بها مثل هذه السناتر، مما سيؤثر على مستقبل أبنائهم في تدريبهم على كيفية تحصيل درجات عالية والالتحاق بالكليات التي يرغبونها، وعليه اضطر كلا المحافظين إلى التراجع عن قرارهما.
وهنا يبقى السؤال: كيف نواجه مثل هذه السناتر ونغلقها على مستوى الجمهورية وبشكل قانوني ومن خلال المحليات أيضًا، وبالتالي نقلل حجم الدروس الخصوصية إلى أدنى مستوى؟
الحل سيكون بسيطًا وبشكل محدد، وسوف يساهم في ضبط العملية التعليمية بالمدارس على المستوى القومي. وفي هذا الحل أخاطب كلا من وزير التربية والتعليم محمد عبد اللطيف ونقيب المعلمين خلف الزناتي بأن تقوم نقابة المعلمين بالتنسيق مع وزارة التربية والتعليم بإعداد «مشروع قانون مزاولة المهنة»، يتم فيه إلزام كل من يمارس مهنة التدريس بالحصول من نقابة المعلمين على ترخيص «مزاولة المهنة»، سواء كانوا ممن يعملون بالوزارة حاليًا أو من سيتم تعيينهم مستقبلًا كمعلمين بها، وسيحصلون بعدها على عضوية نقابة المعلمين.
وفي هذه الحالة سيكون في هذا القانون «تجريم» لمن يزاول مهنة التدريس دون أن يكون معه تصريح مزاولة المهنة، ووقتها يمكن للمحليات أن تداهم أيًا من سناتر الدروس الخصوصية للتأكد من نوعية من يقومون بالتدريس فيها، فإذا لم يكن معهم تصريح مزاولة المهنة يتم تجريم فعلتهم ووضعهم تحت طائلة القانون. وقتها سيختفي 90% على الأقل من سناتر الدروس الخصوصية، وسنقضي على هذه الآفة التي تسببت في تخريب التعليم في مصر، وتسببت أيضًا، وما زالت، في ضياع مليارات الجنيهات التي يدفعها أولياء الأمور مضطرين لهذه السناتر، والتي تحول العمل فيها إلى تجارة مدمرة لاقتصاديات الأسر المصرية.
أناشد كلا من وزير التربية والتعليم ونقيب المعلمين أن يسعيا إلى استصدار هذا القانون فور الانتهاء من تشكيل البرلمان الجديد، لنقضي على هذه الغمة إلى الأبد، وتعود المدرسة إلى دورها الطبيعي في التربية والتعليم.
اللهم بلغت، اللهم فاشهد.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى