“آيفون أمريكي الصنع”.. الحلم الذي يواجه الواقع الصعب: تكلفة خيالية أم استحالة حقيقية؟

خطة طموحة لنقل تصنيع التكنولوجيا المتقدمة إلى أميركا تواجه عوائق لوجستية وتقنية ضخمة
تخيل أن يكون العام 2030، والمشهد مهيب على منصة عرض منتجات “أبل”، حيث يطل تيم كوك، الرئيس التنفيذي للشركة، رافعاً عصاه السحرية الجديدة “Apple Magic Wand”، ليكشف الستار عن مفاجأته المنتظرة: أول “آيفون” مصنوع بالكامل في الولايات المتحدة الأميركية.
لكن وراء هذه الصورة الحالمة، بحسب ما وصفتها صحيفة “وول ستريت جورنال” بسخرية لاذعة، تكمن حقيقة معقدة ومكلفة وربما مستحيلة. فإنتاج هاتف “آيفون” أميركي الصنع لا يواجه فقط عوائق تتعلق بالتكلفة، بل أيضاً بعوامل بنيوية تتعلق بسلاسل الإمداد العالمية، والكوادر البشرية، والبنية التحتية الصناعية التي بنتها الصين على مدى عقود.
الرسوم الجمركية.. بداية التحول؟
فرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في فترة ولايته الثانية، حزمة جديدة من الرسوم الجمركية، تستهدف المنتجات التقنية المستوردة، وعلى رأسها الهواتف الذكية، ضمن استراتيجية شاملة لإعادة توطين الصناعات التكنولوجية داخل الولايات المتحدة.
وتهدف هذه الخطوة إلى إعادة تصنيع منتجات كبرى مثل “آيفون” إلى الأراضي الأميركية، في محاولة لخلق وظائف جديدة، وتحرير الاقتصاد من الاعتماد الصناعي على الصين.
لكن محللين يرون أن آثار الرسوم ستكون فورية على المستهلك، من خلال ارتفاع أسعار الأجهزة، فيما يظل تحقيق الهدف الاستراتيجي بعيد المدى مرهوناً بتغييرات ضخمة في المشهد الصناعي الأميركي.
“جيش البراغي” لن ينتقل بسهولة
في مقابلة مع برنامج Face the Nation على شبكة CBS، قال وزير التجارة الأميركي هوارد لوتنيك:
“جيش الملايين من البشر الذين يثبتون البراغي الصغيرة في هواتف آيفون، هذا النوع من العمل سينتقل إلى أميركا… وسيكون مؤتمتاً.”
لكن الواقع يشي بشيء مختلف. فصناعة الآيفون ليست مجرد تجميع يدوي بسيط، بل هي عملية معقدة تتضمن أكثر من 200 مكون مختلف يتم تصنيعها في أكثر من 40 دولة، ثم تُجمع بكفاءة عالية في مصانع عملاقة بالصين، تملك البنية التحتية والمهارات الفنية اللازمة.
وبحسب تقرير “وول ستريت جورنال”، فإن الولايات المتحدة لا تمتلك حالياً منشآت تُضاهي تلك التي بنتها الصين خلال عقود، ولا تمتلك أيضاً الكوادر البشرية المدربة على هذا النوع من الإنتاج المعقد.
وفي وصف ساخر للتحدي، قالت الصحيفة:
“تدريب نسر على أداء رقصة باليه قد يكون أسهل من تحويل الولايات المتحدة إلى نسخة من شنزن الصينية في تصنيع الإلكترونيات الدقيقة.”
هل يمكن لأميركا أن تلحق بالركب؟
ورغم أن “أبل” افتتحت بالفعل مصنعاً في ولاية تكساس لتصنيع أجزاء من جهاز Mac Pro، إلا أن العملية ما تزال محدودة النطاق، وتعتمد بشكل كبير على مكونات مستوردة من الخارج.
وفي محاولة لتقليص الفجوة، أطلقت الإدارة الأميركية برامج دعم مالي ضخمة لتحفيز الشركات على بناء مصانع متقدمة في الداخل، وأبرزها خطة دعم صناعة أشباه الموصلات عبر قانون CHIPS لعام 2023.
لكن ذلك لا يكفي. فحتى مع تطور الآلات والمصانع، يبقى العامل البشري عنصراً أساسياً في خطوط التجميع، لا سيما في منتج مثل “آيفون”، الذي يتطلب درجة عالية من الدقة والتنظيم.
المعادلة الاقتصادية: الكفاءة مقابل السيادة
التحول إلى تصنيع آيفون في أميركا يعني التضحية بمبدأ “التكلفة المنخفضة مقابل الربح العالي” الذي اتبعته الشركات الأميركية لعقود. ووفقاً لتقديرات خبراء الصناعة، فإن تصنيع آيفون بالكامل في أميركا قد يُضاعف تكلفة الجهاز، لتصل إلى 2000 دولار أو أكثر للمستهلك، مقارنة بمتوسط السعر الحالي البالغ نحو 999 دولاراً.
وهذا ما يضع “أبل” أمام معادلة صعبة:
- هل تضحي بالربح من أجل السيادة الصناعية؟
- أم تحافظ على نموذجها الاقتصادي المعتمد على سلاسل التوريد العالمية، رغم التوترات الجيوسياسية؟
ختاماً: الحلم الأميركي يصطدم بواقع التكنولوجيا العابرة للحدود
رغم أن فكرة “آيفون أمريكي 100%” تثير الحماسة، إلا أن طريق تحقيقها مليء بالعقبات اللوجستية والاقتصادية والتقنية. فالصناعة الحديثة لم تعد محصورة بحدود دولة واحدة، بل أصبحت شبكة عالمية معقدة ومترابطة.
ولعل السؤال الحقيقي لم يعد: “هل يمكن لأميركا أن تصنع آيفون؟”
بل: “هل ينبغي عليها أن تصنعه بمفردها؟”
إلى أن يأتي الجواب، يبقى المشهد في 2030 الذي تخيلته “وول ستريت جورنال” أقرب إلى عرض سحري، منه إلى واقع اقتصادي مستدام