الأنبا باخوميوس… شيخ مطارنة الكنيسة الحكيم الذي حمى الكنيسة في زمن العواصف

بينما يخضع الأنبا باخوميوس، شيخ مطارنة الكنيسة القبطية، للعلاج الطبي الدقيق وسط صلوات أبنائه ومحبيه، تبرز في الأفق ذكريات أيام عصيبة شهدتها الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، حين كانت تواجه عواصف هوجاء تهدد استقرارها. واليوم، في مشهد يكاد يعيد نفسه، يشنّ عناصر من جماعة 6 أبريل هجومًا على الكنيسة، في تكرار لمحاولات زعزعة أحد أقدم وأعرق المؤسسات الدينية في مصر. لكن كما كان الحال دائمًا، تبقى الكنيسة صامدة، متماسكة، مستندة إلى إرثها الروحي وقياداتها الحكيمة.

وسط هذه التحديات، يظل اسم الأنبا باخوميوس محفورًا في ذاكرة الأقباط كمطران استثنائي حمل مسؤولية الكنيسة في أصعب فتراتها. كان سدًّا منيعًا في وجه الفوضى، إذ تصدّى بحكمته وهدوئه لمحاولات الهجوم على الكنيسة بعد نياحة البابا شنودة الثالث، حين كانت الثورة المصرية تفتح الأبواب أمام التيارات المتشددة، وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين، التي حاولت فرض سيطرتها على المشهد السياسي والديني في مصر.

حكيم الكنيسة في زمن الاضطرابات

وُلد الأنبا باخوميوس عام 1935، وتخرّج في كلية التجارة بجامعة الإسكندرية عام 1956، لكنه سرعان ما اتجه إلى الرهبنة، لينضم إلى دير السريان بوادي النطرون في عام 1962، حيث حمل اسم الراهب أنطونيوس السرياني. لم تكن الرهبنة بالنسبة له عزلة، بل كانت بداية رحلة طويلة من الخدمة الجادة، إذ خدم في السودان وإثيوبيا، وأسس الكنيسة القبطية في لندن، ومثّل الكنيسة في محافل دولية عديدة.

حين سامه البابا شنودة الثالث أسقفًا للبحيرة والخمس مدن الغربية عام 1971، لم يكن أحد يتوقع أن هذا الأسقف الشاب سيصبح لاحقًا أحد أهم الشخصيات التي قادت الكنيسة القبطية في أحلك الظروف.

قيادة الكنيسة في وجه الإخوان

بعد رحيل البابا شنودة الثالث في 17 مارس 2012، وجد الأقباط أنفسهم في لحظة تاريخية فارقة، إذ كانت مصر تعيش في ظل حكم جماعة الإخوان المسلمين، الذين لم يخفوا عداءهم للأقباط. وكان السؤال الذي يطرح نفسه: من يستطيع قيادة الكنيسة في هذه المرحلة الدقيقة؟

رغم أن البروتوكول الكنسي يقضي بأن يتولى أقدم الأساقفة منصب القائم مقام البطريركي، فإن الأنبا ميخائيل، مطران أسيوط، اعتذر عن المهمة لكبر سنه، فوقع الاختيار على الأنبا باخوميوس، الذي عمل على إنقاذ الكنيسة من الوقوع في فخ الانقسامات أو الاستهداف الخارجي.

في ظل تهديدات الجماعات المتشددة، ووسط تصاعد خطاب الكراهية ضد الأقباط، اتخذ الأنبا باخوميوس قرارات حاسمة حافظت على وحدة الكنيسة. كان يعلم أن المرحلة تتطلب قيادة هادئة ولكنها حازمة، فعمل على جمع المختلفين تحت مظلة الكنيسة، ومنع أي محاولات لشق الصف القبطي.

رجل الوحدة ورعاية المحتاجين

لم تكن قيادة الأنبا باخوميوس مقتصرة على الجانب الإداري فحسب، بل امتدت إلى الرعاية الاجتماعية والروحية. وضع عشرة محاور لخدمته، كانت بمثابة ميثاق إنساني لخدمة الجميع، حيث أكّد على ضرورة ألا يُحرم الجائع من الطعام، والمريض من العلاج، والطالب من التعليم، والعاطل من العمل، وغيرها من الجوانب التي جعلت خدمته نموذجًا يُحتذى به في الكنيسة.

أسطورة تبقى في الذاكرة

اليوم، بينما الأنبا باخوميوس يرقد في المستشفى، فإن اسمه يظل مضيئًا في سجل الكنيسة القبطية. هو شيخ مطارنة الكنيسة وحارس وحدتها في زمن الاضطرابات، والرجل الذي حمى شعب الكنيسة حين اشتدت العواصف. في وقت تتكرر فيه المحاولات للنيل من الكنيسة، تبقى دروس الأنبا باخوميوس في الحكمة والتماسك علامة فارقة في تاريخ هذا الأسقف البار أمام الله.

الأنبا باخوميوس، مطران البحيرة وتوابعها، يُعتبر من أبرز الشخصيات الكنسية التي لعبت دورًا محوريًا في تاريخ الكنيسة القبطية الأرثوذكسية. وُلد عام 1935، وتخرّج في كلية التجارة بجامعة الإسكندرية عام 1956. بعد فترة من الخدمة في الكويت، قرر اختيار طريق الرهبنة، فالتحق بدير السريان بوادي النطرون، ورُسم راهبًا في 11 نوفمبر 1962 باسم الراهب أنطونيوس السرياني. وبعدها رُسِم قسًا في 2 يناير 1966، ثم قمصًا في 28 يوليو 1968. أوفده البابا كيرلس السادس إلى السودان وإثيوبيا، وقام بتعميد العديد من الوثنيين في جبال النوبة. أسس الكنيسة القبطية في لندن، ومثّل الكنيسة في عدة مؤتمرات دولية، واختير عضوًا في مجلس الكنائس العالمي، ومجلس كنائس الشرق الأوسط، ومجلس كنائس كل أفريقيا.

في 12 ديسمبر 1971، سامه قداسة البابا شنودة الثالث أسقفًا للبحيرة وتوابعها والخمس مدن الغربية، وكان من أوائل الأساقفة الذين سامهم البابا شنودة. في 2 سبتمبر 1990، رُقّي إلى رتبة مطران مع الأنبا بيشوي، مطران دمياط. خلال خدمته، أنشأ كاتدرائية العذراء والقديس أثناسيوس بدمنهور، وأحضر جزءًا من رفات القديس أغسطينوس عام 1987 من الجزائر، وأودعه الكاتدرائية، حيث يُحتفل به سنويًا.

بعد نياحة قداسة البابا شنودة الثالث في 17 مارس 2012، اعتذر الأنبا ميخائيل، مطران أسيوط، عن تولي منصب القائم مقام البطريركي لكبر سنه، فاختير الأنبا باخوميوس لهذا المنصب. قاد الكنيسة خلال فترة انتقالية حساسة حتى تجليس قداسة البابا تواضروس الثاني في نوفمبر من نفس العام.

تميز الأنبا باخوميوس بالحكمة والهدوء، واستطاع جمع المختلفين تحت مظلة الكنيسة، محافظًا على وحدة الصف الكنسي في أوقات عصيبة. وضع عشرة محاور لخدمته، شملت عدم حرمان الجائع من الطعام، والمريض من العلاج، والفتاة من الزواج، والمعوق من العناية، والطالب من التعليم، والسجين من الرعاية، والعاطل من العمل، والمؤمن من الإيمان، والخدمة الروحية من الإقامة، والإنسان من مأوى. هذه المحاور عكست رؤيته الشاملة للرعاية والخدمة.

الأنبا باخوميوس هو رمزٌ للتفاني والإخلاص في خدمة الكنيسة، وترك بصمات واضحة في مسيرتها، سواء من خلال دوره القيادي أو أعماله الرعوية المتعددة.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى