نياحة الأنبا باخوميوس.. شيخ مطارنة الكنيسة القبطية وقائدها الحكيم في مرحلة انتقالية

في لحظة يغمرها الحزن والتسليم لمشيئة الله، ودّعت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية أحد أعمدتها الراسخة، نيافة الأنبا باخوميوس، شيخ مطارنة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ومطران البحيرة ومطروح والخمس مدن الغربية ورئيس دير القديس مكاريوس السكندري بجبل القلالي، الذي انتقل إلى الأمجاد السماوية بعد مسيرة حافلة بالعطاء امتدت لأكثر من 70 عامًا في خدمة الكنيسة.
رحل الأب الجليل عن عمر ناهز 90 عامًا، بعد أن أفنى حياته في خدمة الرعاية الكنسية، حيث كان نموذجًا للراعي الأمين، ورجل الحكمة الذي تولى مسؤولية قيادة الكنيسة لمدة ثمانية أشهر كقائم مقام البابا عقب رحيل البابا شنودة الثالث، فقاد الكنيسة بحكمة واقتدار خلال هذه الفترة الانتقالية الحساسة.
نشأة ومسيرة روحية حافلة
وُلِد نيافة الأنبا باخوميوس في 17 ديسمبر 1935، ونشأ في أسرة تقية متمسكة بإيمانها، فاختار طريق الرهبنة مبكرًا، وترهب في دير السيدة العذراء السريان بوادي النطرون، حيث حمل اسم الراهب أنطونيوس السرياني في 11 نوفمبر 1962. ونظرًا لعمقه الروحي ونشاطه في الخدمة، تمت سيامته أسقفًا على إيبارشية البحيرة ومطروح والخمس مدن الغربية في 12 ديسمبر 1971، ليكون أحد أول الأساقفة الذين قام بسيامتهم البابا الراحل شنودة الثالث.
ظل نيافته راعيًا أمينًا لإيبارشيته لأكثر من خمسة عقود، شهدت خلالها نهضة روحية ومعمارية كبيرة، حيث أسس الكنائس، وأقام المشروعات الخدمية، وساهم في إعداد أجيال من الكهنة والخدام، من أبرزهم قداسة البابا تواضروس الثاني، الذي كان أحد تلاميذه المقربين ونهل من تعاليمه الروحية العميقة.
قائد الكنيسة في لحظة فارقة
لم يكن الأنبا باخوميوس مجرد أسقفٍ لإيبارشية، بل كان الأب الحاني والمُرشد الروحي للكنيسة بأسرها، وهو ما تجلى بوضوح عندما وقع عليه اختيار المجمع المقدس ليكون قائم مقام البابا بعد رحيل البابا شنودة الثالث في 22 مارس 2012.
حمل هذه المسؤولية الجسيمة لأكثر من ثمانية أشهر، حيث أدار شؤون الكنيسة خلال هذه المرحلة الانتقالية بحكمة نادرة واتزان، وكان المسؤول الأول عن تنظيم وإدارة الانتخابات البابوية لعام 2012، التي أسفرت عن اختيار قداسة البابا تواضروس الثاني بطريركًا للكرازة المرقسية. وقد أشادت الأوساط الكنسية داخل مصر وخارجها بنهجه المتزن، وقدرته على قيادة السفينة وسط أمواج التحديات.
معلم الأجيال وصانع الرعاة
اشتهر نيافة الأنبا باخوميوس بكونه معلمًا قديرًا خرّج أجيالًا من الكهنة والرهبان والأساقفة، وكان يُلقب بـ”أب الأساقفة” نظرًا للدور الكبير الذي لعبه في تنشئة العديد من القيادات الكنسية، على رأسهم قداسة البابا تواضروس الثاني، الذي كان أحد تلاميذه.
كما كان له دور بارز في تعزيز العلاقات المسكونية بين الكنيسة القبطية وسائر الكنائس الأرثوذكسية، حيث مثل الكنيسة في العديد من المحافل الدولية، وكان دائم الحرص على مد جسور التواصل والحوار مع الكنائس الشقيقة، مما جعله شخصية محورية في المشهد الكنسي.
رحيل الجسد وبقاء الأثر
برحيل الأنبا باخوميوس، تفقد الكنيسة القبطية الأرثوذكسية واحدًا من أكثر رجالها حكمةً واتزانًا، لكن ذكراه ستظل خالدة في قلوب أبنائها، وسيبقى إرثه الروحي والتعليمي منارة تهدي الأجيال القادمة.
ومن المقرر أن تُعلن خلال الساعات القادمة ترتيبات تجنيزه، وسط حضور كنسي وشعبي كبير، لتوديع هذا الأب الجليل الذي عاش خادمًا أمينًا حتى آخر لحظات حياته.