في حضرة الإنسانية والإبداع: احتفاء بذوي الهمم في كلية رمسيس للبنات

بقلم: صموئيل العشاي
في مشهد اختلطت فيه دموع الفخر بضحكات الفرح، وألوان المحبة بوهج الإنجاز، شهدت كلية رمسيس للبنات التابعة لسنودس النيل الإنجيلي، احتفالًا مهيبًا بقسم ذوي الهمم والقدرات الخاصة، بحضور روحي وتربوي وإنساني رفيع، تقدّمه الدكتور القس أندريه زكي، رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر، وسط حضور مميز من قيادات السنودس والمؤسسات التعليمية والدينية، وشخصيات بارزة من الأزهر الشريف ومجلس النواب المصري، وإدارة التعليم.
عناق الكنيسة للوطن من خلال ذوي الهمم
وقف الدكتور القس أندريه زكي أمام الحضور، بعينين تلمعان بالفخر، وصوتٍ يحمل مزيجًا من الرسالة والرجاء، قائلاً:
“ذوو الهمم ليسوا حالة استثنائية، بل جزء أصيل من نسيجنا الإنساني والوطني، وهم قلب رسالتنا في الكنيسة الإنجيلية… ما نشهده اليوم رسالة حية على الإبداع، ومصدر إلهام لنا جميعًا لتحقيق مجتمع يحتضن الجميع”.
لم تكن كلماته مجرد عبارات، بل كانت إعلانًا صريحًا عن التزامٍ تاريخي للكنيسة الإنجيلية بدعم التعليم الشامل والدمج المجتمعي، حيث قدّمت الطائفة نموذجًا فريدًا في خدمة المجتمع، من خلال ٢٦ مدرسة تابعة للأمانة العامة للمؤسسات التعليمية، تمتد جذورها منذ أكثر من قرن ونصف، وتنمو يومًا بعد يوم، لتغرس القيم، وتصنع الأمل.
أصوات المحبة من قلب السنودس
من جانبه، قال الدكتور القس عزت شاكر، رئيس سنودس النيل الإنجيلي:
“هذا الاحتفال ليس فقط مناسبة مدرسية، بل هو تجسيد حي لرسالة الكنيسة في رعاية الإنسان بكليته، بجسده وعقله وروحه، وبكل ما يحمله من تحديات وقدرات. العمل مع ذوي الهمم هو تعبير صادق عن المحبة العملية التي لا تكتفي بالقول، بل تتحرك بالفعل.”
أما القس ماجد كرم، الأمين العام للمؤسسات التعليمية بالسنودس، فقد توجه بتحية خالصة إلى كافة المشاركين والداعمين لهذا اليوم المميز، مؤكدًا أن كلية رمسيس للبنات تقدم نموذجًا مشرفًا في التعليم يحتذى به على مستوى الجمهورية، وأن قسم ذوي الهمم يعكس رؤية تعليمية راقية قائمة على احتضان التنوع، والاعتراف بالقيمة الفريدة لكل طفل.
مشاهد لا تُنسى.. دموع الأمهات وزغاريد الإنجاز
بين كل فقرة من فقرات الحفل، كانت العيون تفيض دموعًا، بعضها من شدة التأثر، وبعضها من نشوة الانتصار. شاهدنا فقرات فنية مبهجة، حيث قدّم الأطفال عروضًا رائعة، منها “فقرة المِهن” التي عبّرت عن أحلامهم في أن يصبحوا أطباء، مهندسين، فنانين… وشارك كورال الكلية بأداء أنشودات ملأتها البراءة والبهجة، فيما خطف أوبريت “أفراح المصريين” الأنظار والقلوب معًا.
أما لحظة تكريم الخريجات، فكانت لحظة من ذهب، حيث علت الزغاريد، وتعانقت الأمهات في مشهد قلّ أن تراه إلا حين يثمر الكفاح حبًا، وتتحول الدموع إلى وسام على جبين العطاء.
حضور وطني جامع من الأزهر والبرلمان والتعليم
في لفتة تجسد الوحدة الوطنية وروح العمل المشترك، شارك في الحفل عدد من الضيوف البارزين، من بينهم الدكتور سعد الدين الهلالي، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، والشيخ حسن يحيى ممثلًا عن مشيخة الأزهر الشريف، والدكتور فريدي البياضي، عضو مجلس النواب المصري، وعدد من قيادات التعليم بإدارة الوايلي التعليمية، مؤكدين جميعًا أن دعم ذوي الهمم قضية مجتمعية ووطنية تتجاوز حدود المؤسسات والطوائف.
الكنيسة الإنجيلية: حيث يُزرع الأمل وتنمو الإنسانية
في حضرة هذا الحفل، شعرت القلوب بأن الإنسانية ما زالت بخير، وأن الكنيسة الإنجيلية لا تزال، منذ نشأتها، تنسج خيوط الرحمة والتنوير معًا، من خلال التعليم والرعاية، وبأيدٍ مفتوحة للجميع. لم يكن هذا اليوم مجرد احتفال، بل كان إعلانًا جديدًا بأن مصر يمكن أن تكون بيتًا يحتضن كل أبنائها… وأن ذوي الهمم ليسوا “أصحاب احتياجات خاصة”، بل أصحاب طاقات ملهمة، ومواطنين كاملي القيمة والمكانة.
هنا في كلية رمسيس للبنات، كُتب فصل جديد من فصول الأمل، بإمضاء أطفال تحدّوا الإعاقات، وصاغوا المستقبل بلغة القلب والعقل.