تعيش بعض الفئات في وهم كبير يتمثل في فكرة “إسرائيل الكبرى” التي تمتد من نهر النيل في مصر إلى نهر الفرات في العراق، مستخدمين تفسيرات متطرفة لنصوص دينية لتبرير أطماعهم التوسعية.
هذا الادعاء يُستخدم من قبل القوميين الإسرائيليين وبعض الجماعات المتطرفة مثل جماعة الإخوان، بهدف استقطاب المزيد من المؤيدين إلى صفوفهم. ولكن الحقيقة تتجاوز هذه الادعاءات بكثير، وتستند إلى قراءة أكثر دقة وشمولاً للتاريخ والنصوص الدينية.
في هذا المقال، سنفند هذه الأكذوبة من جوانبها الدينية، التاريخية، والجيوسياسية.
التفسيرات الدينية لنصوص الكتاب المقدس
تستند الفكرة الأساسية لدولة إسرائيل الكبرى على نصوص من العهد القديم من الكتاب المقدس، خاصة في سفر التكوين: “في ذلك اليوم قطع الرب مع أبرام ميثاقًا قائلاً: لنسلك أعطي هذه الأرض، من نهر مصر إلى النهر الكبير، نهر الفرات” (التكوين 15:18).
هناك تفسيرات متعددة لهذا النص. بعض التفسيرات تشير إلى أن هذا الوعد كان لإبراهيم ونسله، بمعنى البركة والانتشار، وليس بالضرورة حيازة جغرافية فعلية ودائمة لهذه الأراضي.
العديد من المفسرين اليهود والمسيحيين يرون هذا الوعد تعبير مجازي، يُشير إلى النفوذ الروحي بدلاً من السيطرة والامتلاك المادي للأراضي.
الحقائق التاريخية والجغرافية
على مر العصور، لم تتحقق سيطرة اليهود على الأرض الممتدة من النيل إلى الفرات. المملكة الإسرائيلية القديمة، في أوجها خلال عهد الملكين داود وسليمان، كانت تسيطر على أراضٍ تتضمن أجزاء من فلسطين الحالية والأراضي المجاورة، لكنها لم تصل أبدًا إلى حدود النيل أو الفرات.
هذه الحقيقة التاريخية تتناقض بشكل واضح مع الادعاءات التوسعية.
السياسة والمفاهيم المتطرفة
يستخدم بعض القوميين الإسرائيليين هذه التفسيرات المتطرفة لتبرير أطماعهم السياسية والإقليمية. هذه الأفكار تُعتبر هامشية حتى داخل إسرائيل نفسها. وغالبية القادة السياسيين، لا يؤيدون هذه الطموحات التوسعية ويفضلون التركيز على الاستقرار والأمن داخل الحدود الحالية.
الواقع الجيوسياسي الحالي
اليوم، يشمل السكان الذين يعيشون في المنطقة الممتدة من النيل إلى الفرات مزيجًا متنوعًا من الاديان والثقافات. وأغلبية السكان من العرب المسلمين والمسيحيين واليهود وأقليات دينية أخرى. وغالبية هؤلاء السكان من نسل إبراهيم، ليس فقط من منظور ديني ولكن أيضًا من منظور تاريخي وإثني.
الأديان الإبراهيمية والثلاثية
تعترف الأديان الإبراهيمية الثلاثة: الإسلام والمسيحية واليهودية، بإبراهيم كأب للأنبياء. ومن هذا المنطلق، فإن السكان الذين يعيشون في هذه المنطقة هم ورثة الوعد الإلهي لإبراهيم، وهم يشتركون في تراث ديني وتاريخي طويل وممتد.
الخلاصة
فكرة أن إسرائيل الكبرى تمتد من النيل إلى الفرات هي أكذوبة تُستخدم لأغراض سياسية وتوسعية. والوعد الإلهي لإبراهيم كان بالأساس وعدًا بالبركة والانتشار الروحي، وليس بالضرورة بالسيطرة الجغرافية الدائمة. الحقيقة التاريخية والجيوسياسية تؤكد أن المنطقة الممتدة من النيل إلى الفرات يسكنها اديان متنوعة، وهم في الغالب ورثة إبراهيم من مختلف الأديان والثقافات.
الحقائق التاريخية والنصوص الدينية، بعيدًا عن التفسيرات المتطرفة، هو السبيل الأفضل لتحقيق السلام والتعايش بين الشعوب في هذه المنطقة المضطربة.