في وداع البابا فرنسيس… الإنسان الذي أحب العالم والقديس الذي أعاد للرحمة مجدها
قال النائب الدكتور جميل حليم عضو مجلس الشيوخ ورئيس جمعيّة كاريتاس بمصر انه في لحظة يختلط فيها الألم بالدهشة، والحزن بالتأمل، نودّع اليوم أحد أعظم من جلسوا على كرسي القديس بطرس: البابا فرنسيس، الإنسان الذي غيّر وجه الكنيسة الكاثوليكية، لا بالقرارات فقط، بل بالروح التي بثّها في قلوب الملايين، مسيحيين وغير مسيحيين على حدّ سواء.
وقال حليم لقد رحل الرجل الذي نزل من علياء السلطة الكنسية ليمشي في شوارع الفقراء، ويجلس إلى جانب المنكوبين، ويعانق الغرباء، ويفتح أبواب الفاتيكان أمام المهجرين والمظلومين والمقهورين. لم يكن بابا اعتياديًا، بل كان شاهدًا حيًا على أن القداسة ليست حكرًا على العزلة أو التاريخ، بل هي حياة تُعاش ببساطة، بعمق، وبحب لا يعرف التفرقة.
وواصل حليم منذ انتخابه في عام 2013، اختار اسم “فرنسيس” تيمنًا بالقديس الفقير المحبوب، فرنسيس الأسيزي، فكان امتدادًا لرسالته؛ حمل الهمّ الإنساني فوق كتفيه، وجعل من “الرحمة” نداءه الأول، ومن “الحوار” طريقه إلى العالم، ومن “الخدمة” جوهر قيادته.
رحل من قال: “من أنا لأدين؟”… ليعلّمنا أن الكنيسة ليست محكمة، بل بيت لكل من يبحث عن الله.
رحل من انحنى ليغسل أقدام السجناء، ليقول لنا إن الزعامة الحقيقية تبدأ من التراب.
لقد التقيته مرة، وكان لقائي به أشبه برحلة إلى أعماق الروح… كنت أمام رجل يحمل على وجهه ابتسامة السماء، وفي عينيه دمع الأرض، وفي يديه دفء الأبوة. أعطاني بركته، ولكنها لم تكن مجرد إيماءة… كانت صلاة صامتة، وتأكيدًا بأن الرب ما زال حاضرًا في تفاصيل هذا العالم.
نودّعه اليوم والدموع في العيون، لا فقط لفقد رجل، بل لفقد زمن من النقاء والصفاء والصدق. كان صوتًا في وجه القسوة، وكان قلبًا في مواجهة الجمود، وكان جسدًا يسير في طريق مليء بالأشواك، دون أن يتراجع أو يتعالى.
ترك البابا فرنسيس إرثًا من المواقف: دفاعه عن اللاجئين، دعوته لحوار الأديان، وقوفه مع البيئة، نقده للأنظمة الجائرة، مناصرته للفقراء والمهمشين، ودعوته الدائمة للسلام… لقد جعل من الكنيسة، كما أراد المسيح، مستشفى ميدانيًا لا قصرًا مهيبًا.
وداعًا أيها البابا الإنسان… يا من عشت البساطة كأنها لاهوت، وعشت الإيمان كأنه تنفس، وعشت المحبة كأنها نبوءة.
لن ننسى أنك علمتنا أن الكنيسة لا يجب أن تبني الأسوار، بل الجسور، وأن الرب ليس حكرًا على النخبة، بل رفيق لكل قلب متألم.
ستبقى صورتك على شرفة الفاتيكان، وابتسامتك حين تبارك الجماهير، وصوتك حين تهمس بالسلام… محفورة في ضمير هذا القرن.
ارقد بسلام، قديس هذا العصر… صلاتنا ترافقك، وذكراك تسبقنا نحو النور.