قراءة في دلالات عزاء الرئيس السيسي للبابا فرنسيس: تقدير لرمز عالمي و”إخلاص للقيم النبيلة
يحمل عزاء السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي لقداسة البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، دلالات عميقة تتجاوز كلمات الرثاء التقليدية، ليعكس موقفًا مصريًا أصيلاً يثمّن الرموز العالمية التي كرّست حياتها لخدمة الإنسانية والسلام.
أولاً: لغة البيان… احترام يتجاوز البروتوكول
جاء بيان الرئيس السيسي بلغة مؤثرة، تنم عن تقدير خاص للمكانة التي احتلها البابا فرنسيس، ليس فقط في قلب الفاتيكان أو بين أتباع الكنيسة الكاثوليكية، بل على المستوى العالمي كرمز للضمير الإنساني، والانفتاح الروحي، والعدالة الاجتماعية. وصفه بـ”الشخصية العالمية الاستثنائية” و”صوت السلام والمحبة والرحمة” يعكس عمق الوعي المصري بأهمية أدوار القادة الروحيين في بناء عالم أكثر اتزاناً وأقل تطرفاً.
ثانياً: التركيز على دعم القضية الفلسطينية
لم يكن ذكر القضية الفلسطينية في عزاء البابا فرنسيس تفصيلاً عابراً، بل هو تأكيد على القواسم المشتركة بين موقف مصر التاريخي وبين مواقف الفاتيكان الإنسانية بقيادة البابا. فالرئيس السيسي يدرك جيدًا أن البابا لم يكن رجل دينٍ فحسب، بل قائدًا أخلاقيًا وقف بصلابة إلى جانب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وهو موقف نادر في زمن التسييس المفرط.
ثالثاً: تجديد التقدير لدور الحوار بين الأديان
بإشارته إلى “بناء جسور الحوار بين الشعوب”، يعيد الرئيس السيسي تسليط الضوء على الدور الحيوي الذي لعبه البابا فرنسيس في التقارب الإسلامي-المسيحي، وخصوصاً في العلاقة مع الأزهر الشريف، وهي العلاقة التي توجت بوثيقة “الأخوة الإنسانية” التي وقعها مع فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب في أبو ظبي عام 2019. وبهذا، يصبح العزاء رسالة تقدير لما ساهم فيه الفقيد من تقارب حضاري وروحي يُعد إحدى ركائز السلام الحقيقي.
رابعاً: البابا الإنسان… لا القائد فقط
اللافت في بيان العزاء هو تركيزه على صفات البابا الشخصية والإنسانية—“الإخلاص للقيم النبيلة”، “الرحمة”، “المحبة”—وهي مفردات تعبّر عن إدراك الدولة المصرية لمكانة هذا القائد الروحي بوصفه ضميرًا حيًا في عالم تعصف به الحروب والانقسامات. فالرئيس السيسي لا ينعى رأس الكنيسة الكاثوليكية فحسب، بل ينعى إنسانًا استطاع أن يمس قلوب الملايين، مسلمين ومسيحيين على السواء.
خامساً: دلالة العزاء في اللحظة الراهنة
في وقت تتسارع فيه الأحداث العالمية، ويشهد الشرق الأوسط تحديات جسام، تأتي كلمات الرئيس السيسي كرسالة طمأنينة بأن مصر ما زالت تضع في صميم استراتيجيتها القيم الروحية والإنسانية. وأنها لا ترى الدين وسيلة للصراع، بل طريقًا للسلام.
عزاء الرئيس عبد الفتاح السيسي لقداسة البابا فرنسيس لم يكن مجرد إجراء دبلوماسي، بل قراءة ناضجة في سيرة رجل اختار أن يكون صوتًا للمهمشين، وجسرًا بين الحضارات. عزاء يجسد رؤى مصر في عالمها المتنوع، وموقفًا إنسانيًا يؤكد أن في السياسة متسعًا للرحمة، وفي الدولة متسعًا للتقدير.
إنه وداع مصري يليق ببابا للسلام… غادر، لكن صدى كلماته ومواقفه سيبقى حيًا في وجدان الشعوب.