قالت الكاتبة الصحفية الكبيرة خيرية شعلان إن أول هدية قدمها لها الراحل رجائي الميرغني كانت شريط كاسيت يحمل أوپريت “العشرة الطيبة” للموسيقار سيد درويش، مؤكدة أن هذه الهدية لم تكن مجرد شريط موسيقي عادي، بل كانت بوابة لموسم جديد من الاكتشاف والإبداع. أضافت شعلان أنها في البداية استغربت العنوان وتساءلت مع نفسها: “ما هي العِشرة الطيبة؟ ولماذا سيد درويش بالتحديد؟”، لكنها لم تدرك وقتها أن هذه التساؤلات كانت بداية لرحلة فنية وروحية جديدة.
أوضحت شعلان أن فضولها دفعها لتشغيل الشريط على جهاز الكاسيت البسيط في بيتها، وهنا بدأت اللحظة السحرية. نوهت أنها ما أن سمعت الموسيقى، حتى وجدت نفسها تغوص في عالم من الأصوات والألحان والكلمات التي لم تألفها من قبل، ووصفت تلك اللحظات بأنها كانت تجربة عميقة، حيث فتحت لها نافذة على نوع جديد تمامًا من الفن. وأكدت أنها لم تكن تتوقع أن أوبريت “العشرة الطيبة” سيأسر قلبها بهذه الطريقة، موضحة أن ما سمعته لم يكن مجرد أغاني بل حوارات تمثيلية وقصص مروية عبر الموسيقى.
أكدت شعلان أن تلك التجربة كانت مختلفة تمامًا عن الموسيقى التي كانت معتادة عليها، حيث قالت: “لم تكن علاقتي بالموسيقى تتجاوز حدود أغاني أم كلثوم وما يتاح في الراديو.” وأضافت أن أوبريت “العشرة الطيبة” أخذها إلى عوالم جديدة من الفهم الفني، واصفة إياها بالتجربة التي كسرت حواجز الخوف والخجل بداخلها.
أشارت شعلان إلى أنها بعد الانتهاء من الاستماع للأوبريت لمرة واحدة فقط، وجدت نفسها تعيد تشغيل الشريط مرة تلو الأخرى، حتى كادت تحفظ مقاطع منه عن ظهر قلب. وأضافت أنها كانت تترقب بفارغ الصبر لقاء رجائي في اليوم التالي لتسأله عن مصدر هذا الجمال والإبداع، وتقول له بابتسامة: “انت بتجيب الإبداع والجمال والموسيقى دي منين؟”
نوهت شعلان بأن رجائي كان دائمًا ما يعاملها بحنان وصدق، وكان يشعر بسعادة غامرة عندما يرى كيف تؤثر الموسيقى فيمن حوله. وأشارت إلى أن ابتسامته كانت تمتلئ بفرحة حقيقية حين نجح في تقديم موسيقى تتجاوز حدود الترفيه، وتغذي الروح والقلب. وأكدت أن رجائي كان يعتبر الموسيقى وسيلة للتواصل العميق بين الناس، وكان يرى في سيد درويش موسيقيًا عبقريًا جمع بين الفن والحياة الاجتماعية والسياسية.
أضافت شعلان أن رجائي كان يشرح لها بحماس وبأسلوبه المعتاد: “سيد درويش مش مجرد موسيقار، ده كان مجدد الموسيقى العربية. هو من أوائل اللي ربطوا الفن بالحياة اليومية والسياسة. أغانيه كانت جزء من ثورة 1919، وبتغني ‘قوم يا مصري’ كان بيدعم الروح الوطنية. سيد درويش استخدم الموسيقى في الجهاد الوطني والإصلاح الاجتماعي، وده كان حاجة جديدة على الفن في وقته.”
أكدت شعلان أن هذه الكلمات لم تكن مجرد معلومات، بل كانت دروسًا في الحياة، حيث أدركت من خلال رجائي أن الفن ليس فقط وسيلة للطرب أو الترفيه، بل أداة للتغيير والتعبير عن معاناة الشعوب وأحلامها. وتابعت قائلة: “منذ ذلك الوقت البعيد، صار أوپريت ‘العِشرة الطيبة’ بكسر العين عنوانًا عريضًا لحياتنا معًا.”
نوهت شعلان أن أوبريت “العشرة الطيبة” هو عمل موسيقي مميز من تأليف محمد تيمور، وكلمات الأغاني لبديع خيري، وألحان العبقري سيد درويش. وأضافت أن القصة تجسد تمجيد الفلاح المصري وتنتقد الحاكم التركي المتجبر، وقد عُرض الأوبريت لأول مرة على مسرح نجيب الريحاني عام 1920. وأشارت إلى أن سيد درويش، رغم رحيله المبكر في 15 سبتمبر 1923، ترك إرثًا موسيقيًا خالدًا أثر في وجدان الأجيال.
أشارت شعلان إلى أن رجائي كان له تأثير كبير على حياتها الفنية والشخصية، حيث قالت: “على يديك؛ أطلقت حنجرتي بالغناء. أخرجت صوتي من قمقم الخوف والخجل، بعدما كان محبوسًا في حلقي ولم أسمعه يومًا إلا سرًا في الحمام.” وأكدت أن كل من عرف رجائي شعر بأن روحه وعقله ولسانه أطلقوا بحرية، وليس فقط صوته.
اختتمت شعلان حديثها بتوجيه رسالة حب وحنين لذكرى، قائلة: “كل سنة وانت طيب يا حبيبي. وحشتني يا رجائي.” وأشارت إلى أن درويش لم يكن مجرد موسيقي عادي، بل كان فنانًا ربط بين الموسيقى والنضال الاجتماعي، وتركت بصماته الفنية أثرًا عميقًا في وجدان المصريين.