حرب بالوكالة بمذاق نووي: صراع الهند وباكستان في ظل التوترات الدولية
ما يحدث الآن بين الهند وباكستان ليس مجرد تصعيد حدودي كما قد يظن البعض، بل هو في الحقيقة حرب بالوكالة بين قوتين عالميتين، كل منهما تحاول فرض هيمنتها في شبه القارة الهندية. هذا الصراع، الذي يحظى بتوترات مستمرة، أصبح أكثر تعقيدًا بعد أن تداخلت فيه مصالح القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين، مما جعل كشمير ساحة اختبار جديدة بين هذه الأقطاب، وفي خلفيته السلاح النووي الذي يمتلكه الطرفان.
الهند ليست وحدها في هذه المعركة. القوة العظمى التي تدعمها بشكل غير مباشر هي الولايات المتحدة الأمريكية، التي تزود الهند بالقدرات العسكرية والاستخباراتية. العلاقات بين البلدين شهدت تطورًا كبيرًا في السنوات الأخيرة، خاصة بعد تصاعد النفوذ الصيني في المنطقة. الولايات المتحدة ترى في الهند حليفًا استراتيجيًا مهمًا في مواجهة الصين، ولذلك سعت إلى دعم الهند في جميع الميادين، بما في ذلك الجوانب العسكرية والدفاعية. لم تقتصر هذه العلاقة على الجوانب الثنائية فقط، بل امتدت إلى تحالفات استراتيجية مثل التحالف الرباعي (Quad) الذي يضم أيضًا اليابان وأستراليا. من خلال هذه العلاقات، تأمل الولايات المتحدة في تطويق نفوذ الصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
من الناحية الأخرى، باكستان ليست وحدها أيضًا. الصين تقف وراءها كحليف استراتيجي قوي، تساندها في حربها الباردة ضد واشنطن. العلاقة بين باكستان والصين تأخذ طابعًا استراتيجيًا، حيث تعتبر الصين كشمير بمثابة نقطة ضغط هامة في نزاعها المستمر مع الهند. بكين تدرك تمامًا أهمية هذا الإقليم بالنسبة لها، خاصة مع مشروع “الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني” (CPEC)، الذي يمر عبر كشمير ويشكل استثمارًا ضخمًا بالنسبة للصين. وجود هذا المشروع يضمن للصين منفذًا مباشرًا على المحيط الهندي، وهو ما يجعل استقرار كشمير ضروريًا بالنسبة للمصالح الصينية.
ومع ذلك، ورغم وجود هذه الديناميكيات الجيوسياسية الكبرى، لا يتوقع أن تدخل الصين أو الولايات المتحدة في حرب مباشرة بسبب كشمير. كل طرف يحاول تحريك الصراع في الاتجاه الذي يخدم مصالحه، لكنهما لا يسعيان إلى المواجهة العسكرية المباشرة. الصين تستخدم نزاع كشمير كورقة ضغط ضد الهند في الأوقات التي تزداد فيها التوترات، لكنها تفضل أن تظل خلف الكواليس ولا تدخل بشكل عسكري مباشر في النزاع. أما الولايات المتحدة، فقد عملت في عدة مرات كوسيط لحل النزاعات بين الهند وباكستان، مثلما حدث في أزمة كارجيل سنة 1999، حين ضغط الرئيس الأمريكي وقتها، بيل كلينتون، على باكستان للانسحاب، وكذلك في أزمة بولواما عام 2019.
الصراع الهندي-الباكستاني لم يعد مجرد خلاف إقليمي محلي، بل أصبح ساحة تفاعل بين القوى الكبرى التي تحاول تحديد موازين القوة في آسيا. ومع كل تصعيد جديد، تتضح بصمات الولايات المتحدة والصين في الخلفية، ليس كطرفين محايدين، بل كصانعي موازين وقوى تؤثر بشكل مباشر على نتائج الصراع. هذا التداخل في المصالح يعقد احتمالات التهدئة، ويزيد من احتمالات أن يتخذ الصراع منحنى أكثر خطورة، خاصة مع وجود السلاح النووي في يد كلا البلدين.