بداية لا يمكن أن نطلق على هؤلاء لفظ «معارضة» فالكثير منهم ينتمون للنظام الحالي، وعلى تواصل دائم معه، ويدينون له بالتبعيه سواء في العلن أو داخل الغرف المغلقة.. مع عدم إغفال أن النظم السياسية في العالم شهدت مثل هذه التحولات أن ينتقل أحدهم من صفوف المولاه إلى صفوف المعارضة، المهم وقتها إدراك الدوافع والأهداف ومدى جدية هذا الانتقال وهل يذهب بعيداً أم يقف عند حدود المناورة؟!.
ليس شرطاً أن يكون المعارض فقيراً معدماً «مش لاقي اللضه .. ولا عارف يعيش» .. المعارضة ورفض سياسات النظم السياسية الحاكمة في العالم تضم أشخاص من كافة طبقات الشعب بينهم أثرياء أيضاً.. هناك فارق بين المعارض صاحب الفكر والرؤية لتحقيق تقدم الوطن وبين «الجعان الذي قد يبيع نفسه مقابل كسرة خبز»، لذا التاريخ شهد انضمام كثير من الأثرياء لصفوف المعارضة حيث يمتلكون رؤية إصلاحية وبرامج لإدارة الدول وانحيازات واضحة لمصالح الشعب بكل فئاته، المعارضة ليست حكراً على الفقراء المعدمين، المعارضة تعني تقديم رؤية وبرنامج أفضل – لإدارة الدولة .. أي دولة – أفضل من البرنامج الذي ينفذه النظام السياسي الحاكم، ويتم ذلك وفقاً للدستور حيث يحكتم الجميع إلى الشعب ليختار من يمثله في انتخابات حرة وشفافة ونزيهة.
دعونا نتفق أن كل جهد معارض ليس شرطاً أن يكون مثالياً ومستوفي كافة الشروط من وجهة نظرك حتى تقبله، فربما تكون افكار تستحق التنقيح والتطوير، لذا علينا ألا نُعدم أي رؤية جديدة من البداية، فقط يجب أن نناقش تلك الرؤى بهدوء وتعقل لأن الأفكار تمر بمراحل عدة تبدأ بالميلاد والتطوير والتعديل حتى تصل إلى شكل نهائي قد تقبله أو ترفضه، لذا لا تقتلوا الأفكار في مهدها.
ويبقى السؤال.. هل من اجتمعوا في الساحل الشمالي وسموا نفسهم «معارضة» لديهم برنامج حقيقي لهذا البلد يعالج ما تعانيه من مشكلات؟!، هل عندهم نفس الرؤى والقناعات حتى يتفقوا في الأخير على رؤية واحدة يخرجوا بها للناس؟! هل رؤيتهم تتخلص مما يروه أخطاء في النظام الحالي أم يكرروا نفس الأخطاء؟!..
هل تملكون مشروعاً سياسياً معارضاً بشكل حقيقي يمكن أن يكون بديلاً جاداً أم أنكم تتحركون لتحسين شروط تفاوضكم مع النظام الحالي مقابل مجموعة أفضل من الامتيازات، وسوف ينتهي الأمر فور الحصول عليها؟!.. من حق الشعب أن يعرف.
لا أحب التوقف كثيراً أمام المظاهر .. لكن الصور المسربة من الإجتماع وما تم تداوله بعدها من أفكار يطرح عدة أسئلة منها: هل أشخاص لم يحتفظوا بسرية إجتماعهم، وسربوا صورهم بدون اتفاق مسبق يمكن أن يؤتمنوا على الوطن وأسراره؟! .. هل إجتماع مهم لبحث مستقبل مصر يتم بارتداء «الشورت والشبب»؟!، وهل هذه الصورة التي تريدون أن تظهر عليها مصر الرسمية إذا وفقتكم في مشروعكم السياسي أم تعترفون أنها صورة لا تليق، والخطأ على من صور وعلى من سرب؟!.. هل جميلة إسماعيل كانت تريد تسويق الإجتماع أم كانت تريد حرق الفكرة قبل أن تبدأ؟! .. ننتظر إجابات واضحة.
قيل أن هذا الاجتماع كان من أجل مناقشة فكرة أكمل قرطام «رئيس حزب المحافظين» إنشاء ما يسمى «مجلس رئاسي» لإدارة مصر، ورغم اني ضد توزيع الاتهامات بدون دليل، بس اعتقد المصريين لهم حق .. الاستفهام والاستدراك .. أليست تلك الفكرة سبق أن طرحها محمد البرادعي عقب ثورة 25 يناير ثم كرر طرحها قبل ثورة 30 يونيه، وتم رفضها فماذا جد؟!.
الحقيقة .. «تشكيل مجلس رئاسي لإدارة الدولة» فكرة غربية بامتياز تطرح كنوع من السيطرة على الشعوب توافقياً عندما تكون هناك ثورة أو اضطرابات، فهل مصر تعيش ثورة أم أنكم تنوون إشعال ثورة في مصر خلال الفترة القادمة؟! وهل تلك الفكرة تتناسب مع معارضة المفترض أن لديها مشروع سياسي للحكم قبل أسابيع من انتخابات رئاسية قادمة أم تعبر عن «عصابة جديدة» تريد أن توزع الغنائم وفرض نفسها على الشعب قبل الآوان؟! .. عيب ميصحش كده .. إلا لو كنتم مُصرين على ما تفعلوه بهدف تحسين شروط تفاوضكم مع النظام الحالي، «تشكيل المجلس الرئاسي» غير دستوري وبديل غير مقبول من المصريين ورفضوه مرتين من قبل، لذا طرح ما يسمى بـ«المجلس الرئاسي» يسهل مهمة رجال النظام الحالي باتهامكم بأنكم «شوية مرتزقة» تبحثون عن مكاسب شخصية .. فهل حقاً تريدون أن تظهروا بهذا الشكل؟!. استقيموا يرحمكم الله.
عبدالجليل مصطفى.. نموذج لرجال السياسة الموسمية.. ينشط عند كل انتخابات ثم يختفى ولا يراه أحد ولا يشارك في أي عمل عام سواء بالرأي أو الفعل .. لكن دائماً ما يكون ظهوره مريباً ويدعوا للتساؤلات .. ولا تعرف إذا كان معارضاً أم رجل النظام في ثوب المعارضة.. كان أحد أفراد الإجتماع الشهير بـ«فندق فيرمونت» لتأييد إنتخاب الدكتور محمد مرسي مرشح الاخوان المسلمين في انتخابات الرئاسة أمام الفريق أحمد شفيق، الذين أطلق عليهم في وقت لاحق «عاصري الليمون» .. وبعدها اكتشفنا أنه كان يؤدي مهمة لخدمة من كان يحكم وقتها، لمنع الفريق أحمد شفيق من الوصول إلى الحكم – لأسباب ليس هنا مكان سردها- ثم ظل ظهوره خافتاً حتى قبل انتخابات البرلمان 2015، حيث نجح في إقناع السيد عمرو موسى بأن يكون منسق التحالف الوطني لخوض انتخابات البرلمان ليفأجى الجميع أن مهمته كانت أن يأخذ أفراد ذلك التحالف ويغرقهم في البحر ويمنع ترشحهم، لصالح قائمة أخرى، بل كان يكتب تقرير يومي عن أسماء هذا التحالف، وكان يتم تسريب اسماء للصحف بأنها ضمن ترشيحات تحالفه لانتخابات البرلمان رغم أنها لم تجتمع به يوماً من أجل حرقها سياسياً، وبعد أداء المهمة اختفى تماماً، ليعاود الظهور في 2023، وهنا يبقى السؤال ما هي مهمته الجديدة؟!.
اكمل قرطام – جميلة إسماعيل – أحمد الطنطاوي.. اسماء عبرت خلال الفترة الماضية بشكل صريح أو مبطن عن رغبتها في خوض انتخابات الرئاسة القادمة، فهل معنى طرحكم فكرة إنشاء «مجلس رئاسي» انكم تراجعتم عن الترشح لانتخابات الرئاسة ووجدوتها ليست ذات جدوى؟! وهل معناه انكم ترفضون إجراء انتخابات الرئاسة القادمة؟! وتريدون أن تعيش مصر فترة انتقالية يحكمها مجلس رئاسي يتم خلاله تعطيل الدستور؟! وهل لو فشلت فكرة المجلس الرئاسي سوف تشكلون فريقاً واحداً تخوضوا به الانتخابات الرئاسية ام هتعلنوا مقاطعة الانتخابات.. يا ريت تفهمونا؟!.
اتفهم أن السياسيين مثل لاعبي الكرة .. في الملعب يبدوا أنهم أعداء، وفي الغرف المغلقة يتبادلون النكات والضحكات، في 2009 كنت بدرس دبلوم المفاوضات الدولية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة، شاهدت الدكتور علي الدين هلال وكان وقتها أمين إعلام الحزب الوطني يحضن الدكتور حسن نافعة وكان وقتها أمين عام الجمعية الوطنية للتغيير المعارضة زيادة عن 5 دقائق ويتبادلون الضحكات، فأدركت مبكراً أن الخلافات على توزيع الغنائم، وليس على المبادئ، فهل نكتشف ذلك مع ذات وجوه تلك الإجتماعات الساحلية والنظام الحالي، أم أنهم يمتلكون مشروعاً سياسياً جاداً .. هذا ما ستكشفه الأيام؟!.








