في ظل التحديات التي تواجه مصر على المستويات السياسية والاقتصادية، تبرز أمامنا فكرة تشكيل “لوبي قبطي” قوي في الولايات المتحدة، وذلك كخطوة استراتيجية لتعزيز المصالح المصرية في الساحة الأمريكية. تأتي هذه الفكرة، التي طرحتها وتناقشت بشأنها مع مسؤولين وأكاديميين متخصصين في دوائر صنع القرار، استنادًا إلى أهمية الاستفادة من الوجود القبطي الكبير في الولايات المتحدة والذي يقدر بـ4-5 ملايين قبطي. هذا الوجود يمثل قوة حقيقية يمكن توجيهها لدعم قضايا مصر وتوفير حلقة وصل مباشرة مع دوائر صنع القرار الأمريكي، بعيدًا عن الاعتماد المستمر والمكلف على شركات العلاقات العامة.
إمكانيات اللوبي القبطي ودوره المرتقب
إن قوة اللوبي القبطي المحتملة تتجلى في الدور الاستراتيجي الذي يمكن أن يلعبه من خلال تعبئة الأقباط وتنظيمهم ككتلة ضغط مؤثرة داخل الولايات المتحدة. إن وجود عدد كبير من الأقباط، يعكس إمكانية تشكيل تكتل سياسي قوي يدعم القضايا المصرية ويروّج لسياساتها في واشنطن. من خلال هذا التوجه، يمكننا كسر النمطية التي تعتمد على الإنفاق المالي الضخم للترويج لمصر عبر الشركات الوسيطة، واستبدالها بكيان قبطي يمثل صوتنا بصدق وإخلاص داخل دوائر صنع القرار الأمريكي. إن تأثير هذا اللوبي سيكون إيجابيًا، إذ إنه سيعبر عن وجهات نظر الشعب المصري ويعمل على دعم سياسات البلاد الوطنية في مرحلة تواجه فيها مصر تحديات ضخمة على الساحة العالمية.
مواقف الرئيس ترامب الداعمة للأقباط
من أبرز المحفزات لتشكيل هذا اللوبي هو دعم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب للجالية القبطية والمجتمع المصري. فعلى المستوى الرمزي، قام ترامب بخطوة غير مسبوقة حين احتفل في البيت الأبيض بعيد دخول السيد المسيح إلى أرض مصر، وهو عيد خاص بالكنيسة المصرية. هذا الاحتفال يعتبر لفتة فريدة من نوعها، تعبّر عن عمق تقدير ترامب للأقباط وتفهمه لمكانتهم التاريخية والدينية العريقة. وبهذا التصرف، أثبت ترامب جديته في دعم الأقباط، مما يفتح آفاقًا جديدة أمام الجالية لتنظيم صفوفها والاستفادة من هذا الدعم في تشكيل لوبي قبطي قوي يلتف حول قيادة مؤمنة بوجودهم وداعمة لمواقفهم.
ويأتي ذلك إلى جانب تغريدة ترامب الشهيرة التي قال فيها:
“إلى مجتمع المسيحيين الأقباط المقيمين في جميع أنحاء الولايات المتحدة، أعبّر عن إعجابي العميق بإيمانكم الراسخ بالله، وصمودكم عبر قرون من الاضطهاد، وحبكم لهذا البلد العظيم. أعتمد على دعمكم وتصويتكم للمساعدة في الحفاظ على قيمنا الاجتماعية والأسرية المشتركة والاستمرار في جعل أمريكا عظيمة مجددًا!”
هذه الكلمات تبرز مدى إيمان ترامب بالدور الذي يمكن أن يلعبه الأقباط في المجتمع الأمريكي وفي دعم قضاياهم المشتركة، مما يدعم موقفي بأن إنشاء لوبي قبطي قوي هو خطوة استراتيجية يمكن أن تعزز من تأثير مصر على السياسة الأمريكية وتزيد من قوة الأقباط في طرح قضاياهم أمام السلطات الأمريكية.
لماذا يدعم الأقباط ترامب؟
أسباب دعم الأقباط للرئيس ترامب ليست نابعة فقط من تقديره للجالية القبطية، بل تتعدى ذلك إلى مواقفه الحاسمة تجاه قضايا مصر الكبرى. فعندما واجهت مصر تحدي الإرهاب بعد مقتل 21 مصريًا على يد جماعات إرهابية في ليبيا، أعلن ترامب دعمه الصريح للجيش المصري في مواجهة الإرهاب، وهو موقف جاء بمثابة دعم حاسم أعاد للأقباط والمصريين الثقة بأن هناك من يقف بجانبهم في أوقات الأزمات. هذه المواقف تؤكد على أن ترامب يمتلك رؤية تحترم مصر وتدعم خياراتها الأمنية، مما يعزز من دعم الأقباط له ويجعل من فكرة تشكيل اللوبي أكثر ملاءمة وقوة في هذا التوقيت.
دوافع تشكيل اللوبي القبطي ودوره في دعم المصالح المصرية
إن تشكيل هذا اللوبي لا يأتي من منطلق حزبي بحت، فالفكرة تتجاوز انتماءات ترامب الحزبية بين الجمهوريين والديمقراطيين. الهدف الرئيسي من هذه المبادرة هو بناء كيان يمثل مصالح مصر في الولايات المتحدة بشكل دائم، ويعمل على مواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجهها البلاد. ففي ظل الضغوط المتزايدة من المؤسسات المالية العالمية، مثل صندوق النقد الدولي، والذي لا تتوافق توصياته دائمًا مع مصلحة الاقتصاد المصري، من الضروري أن يكون هناك لوبي قوي قادر على دفع صناع القرار الأمريكي لدعم سياسات اقتصادية لا تؤثر سلبًا على استقرار البلاد.
مقومات تشكيل اللوبي القبطي: خطة عمل واستجابة رسمية
إن نجاح هذه الفكرة يحتاج إلى استراتيجية متكاملة تعتمد على تعبئة الجالية القبطية في الولايات المتحدة بشكل فعّال. وينبغي إنشاء فرق عمل متخصصة تهتم بشؤون اللوبي وتعمل على تمثيل مصالح الجالية القبطية والمصرية بشكل منظم ومهني. من المهم جدًا أن تحظى هذه المبادرة بدعم من المؤسسات القبطية ورجال الأعمال الأقباط في الولايات المتحدة، لضمان تحقيق أهداف هذا اللوبي وجعله كيانًا قادرًا على التأثير والتواصل مع صناع القرار بفعالية. إن تكامل الجهود وتضافر الطاقات سيمكن اللوبي القبطي من تكوين كيان منظم يعبر عن وحدة الصف القبطي ويعزز موقف مصر على المستوى الدولي.
دور رجال الأعمال القبطيين في دعم اللوبي
يجب على رجال الأعمال المصريين في الولايات المتحدة أن يكون لهم دور فعّال في دعم اللوبي القبطي، سواء من خلال التمويل أو الدعم الإعلامي. حيث أن رؤوس الأموال القبطية يمكن أن تساهم في تأسيس هذا اللوبي وتوفير الإمكانات اللازمة لنجاحه. بدلاً من الاعتماد على شركات العلاقات العامة التي قد لا تكون على دراية كافية بخصوصية الملفات المصرية، يمكن لرجال الأعمال تقديم دعم مباشر للقضايا القبطية، والمساعدة في بناء شبكات علاقات متينة ومؤثرة داخل الأوساط السياسية الأمريكية. هذه الخطوة يمكن أن تحقق تأثيرًا أوسع ويمكّن الجالية من التحرك بشكل فعال يخدم مصالحهم ومصالح وطنهم الأم.
خاتمة
إن فكرة إنشاء لوبي قبطي في الولايات المتحدة تتطلب إرادة قوية وتخطيطًا استراتيجيًا عميقًا لتحقيق أهدافها. إنني أرى أن هذه الفكرة، إذا ما تم تنفيذها بشكل مدروس، ستكون فرصة تاريخية لتعزيز تأثير الجالية القبطية والمصرية في المحافل السياسية الأمريكية، وخدمة مصالح مصر في الولايات المتحدة بشكل مباشر ومستدام. هذا اللوبي، الذي أطمح إلى أن يشبه اللوبي اليهودي في قوته وتأثيره، قد يمثل رافعة جديدة لمواقف مصر وصوتًا يعبر عن تطلعات الأقباط في أمريكا ودورهم في دعم وطنهم الأم.