حين ودّع البابا فرنسيس العالم بلا تاج… فقط باسم محفور على حجر
نشرت صحيفة فايننشال تايمز تقريرًا مؤثرًا عن اللحظات الأخيرة في وداع البابا فرنسيس، بابا الفقراء والقلوب المنحنية، الرجل الذي رفض التاج، كما رفض العرش، ومضى إلى مثواه الأخير بلا ضجيج، بلا ذهب، وبلا مجد أرضي.
كانت جنازته إعلانًا صامتًا عن فلسفة حياة، أكثر منها طقس وداع. لا تاج ثلاثي الطبقات وُضع على النعش كما جرت العادة لقرون، ولا طبول سلطوية تُعلن رحيل “نائب المسيح على الأرض”، بل جسد مسجى بهدوء، موضوع على الأرض مباشرة في كاتدرائية القديس بطرس، محاط بصمت يليق بالأنبياء. كل رموز السلطة البابوية أُزيلت، كما أراد هو، وكأن موته أراد أن يكون موعظة أخيرة في التواضع.
في عام 1958، حين توفي البابا بيوس الثاني عشر، كانت الطقوس مشبعة بالرهبة والتعقيد. جرت آنذاك محاولة لتحنيطه بالسيلوفان والأعشاب، ففشلت، وتكوّنت غازات داخل الجثمان أدّت إلى انفجاره أثناء الدفن، مما أرعب أحد الحراس السويسريين. فضيحة طبية أودت بمهنة طبيبه الشخصي، لكنها لم تمنع استمرار الطقوس نفسها، التي لم يُشكك فيها أحد. كان بيوس الثاني عشر آخر من ارتدى التاج البابوي المهيب، الذي ظل لقرون رمزًا للسلطة الزمنية للكنيسة الكاثوليكية.
أما فرنسيس، فقد اختار غير ذلك. لم يرد لنفسه ما اعتاده أسلافه، بل أراد أن يُدفن في نعش خشبي واحد، دون تلك التوابيت الثلاثة التي تُحاط عادة بالرصاص والسرو والبلوط. واختار ألا يُدفن في مقابر بابوات الفاتيكان، بل في كنيسته المفضلة بروما، “سانتا ماريا ماجوري”، تحت حجر بسيط لا يحمل سوى كلمة واحدة: فرانسيسكوس، اسمه اللاتيني الذي حمله بتواضع منذ اختياره بابا.
التقرير نقل عن المؤرخ الكنسي دانييلي مينوزي قوله إن البابا فرنسيس أراد أن يشهد، في موته كما في حياته، بأنه ظل وفيًا للإنجيل، لرسالة الفقر والبساطة والإخاء مع الجميع. وأضاف: “لقد حاول أن يجعل طقوس موته صورة لإنسان عادي، مسيحي بسيط، رغم ما كانت له من مكانة ومسؤوليات”.
لم تكن جنازة البابا فرنسيس مجرد وداع لرجل دين عظيم، بل كانت اختزالًا لمسيرته كلها. البابا الذي رفض القصور، وركب سيارة صغيرة، وزار المهمشين، وأنصت للمظلومين، شاء أن تكون صورته الأخيرة بلا بريق، لكنها تلمع في قلوب المؤمنين. لقد ودّع العالم وهو يُتم رسالته: أن العظمة في التواضع، والمجد في البساطة، وأن الرجل الذي جلس على أعظم عروش الأرض الدينية، اختار أن يُدفن كمسيحي عادي… لا تاج، لا صولجان، لا مجد — فقط خشوع وصمت، وشاهد قبر باسم لا أكثر