ظهور العذراء في الزيتون.. معجزة النور التي بددت ظلام النكسة ومهدت لنصر أكتوبر

بقلم – صموئيل العشاي:
في ليلة الثاني من أبريل عام 1969، كانت مصر تمر بمرحلة عصيبة، تترنح تحت وطأة الحزن بعد نكسة يونيو 1967. القلوب مكلومة، والكرامة مجروحة، والأمل يتلاشى شيئًا فشيئًا. كانت البلاد تبحث عن طوق نجاة، عن معجزة تهز وجدانها، وتعيد إليها الروح التي كادت أن تخمد تحت وطأة الألم والانكسار.
وفجأة، وسط هذا الليل الملبد بالأسى، أشرقت السماء بنور لم يكن من هذه الأرض، نور سماوي أضاء فوق قباب كنيسة السيدة العذراء بالزيتون. تجلت أم النور، أم الرحمة، في مشهد فائق الروعة، تتهادى بوقار وسط هالة من الضياء، تحيط بها أنوار سماوية لا مثيل لها. كان ظهورًا إلهيًا حمل رسالة واضحة: “يا مصر، لا تخافي.. الله معك، والنور سيبدد الظلام!”
رسالة سماوية في لحظة فارقة
لم يكن هذا الظهور مجرد حدث ديني يخص المسيحيين وحدهم، بل كان رسالة ربانية تعانق كل المصريين، بكل أطيافهم. كانت السماء تخاطب شعبًا بأكمله، تطمئن القلوب المذعورة، وتبث الأمل في النفوس التي أنهكها الحزن.
لم يكن ظهورًا يقتصر على شخص أو مجموعة بعينها، بل كان ظهورًا علنيًا، شاهده الآلاف بأعينهم، وتناقلته الألسن في كل مكان. لم يكن هناك شك، لم يكن هناك وهم، بل حقيقة رآها الجميع، مسلمين ومسيحيين، أغنياء وفقراء، مسؤولين وعامة الشعب.
كل من رفع عينيه إلى السماء في تلك الليالي المباركة، رأى العذراء تبارك مصر بحضورها الإلهي، كأنها تقول: “هذه الأرض مقدسة.. هذا الشعب مبارك.. وهذه البلاد ستنهض من جديد!”
العذراء تطيب جراح المصريين وتعيد الأمل إلى قلوبهم
في تلك الليلة، كانت شوارع الزيتون تموج بجموع البشر، يقفون بالساعات، عيونهم متسمرة نحو السماء، وأياديهم مرفوعة بالدعاء. كان المشهد كأن الله يربت على قلب مصر المكلوم، ويقول لشعبها: “لستم وحدكم.. أنا معكم، ولن أترككم للضعف والانكسار!”
أشرقت العذراء كالشمس، ولم تكن مجرد ظهور صامت، بل كانت تتحرك بوقار، ترفع يديها كأنها تبارك الجمع المحتشد تحتها، وتبعث فيهم روح الرجاء من جديد. كانت لحظات تجلت فيها السماء، وارتفع فيها الإيمان، فذاب الفارق بين مسلم ومسيحي، وذابت الأحزان، ليبقى فقط ذلك الشعور العميق بأن مصر محروسة بيد الله.
ظهور يشد أزر عبد الناصر في لحظة الحسم
في تلك الفترة، كان الرئيس جمال عبد الناصر يواجه أصعب أيام حياته. نكسة 1967 كانت كالصاعقة، أطاحت بكل شيء، وجعلته في موقف بالغ الحساسية. كان الرجل الذي اعتاد أن يكون رمز القوة والمجد، يعيش في دوامة من الضغوط، يبحث عن طريق للخلاص، وعن وسيلة تعيد لمصر مكانتها وهيبتها.
لكن من أين لقائد أن ينهض إذا كان شعبه غارقًا في الحزن؟ وكيف لشعب أن يستعيد ثقته إذا كان يشعر أن الأرض انهارت تحت قدميه؟ كان ظهور العذراء في هذا التوقيت كأنه رسالة خاصة لعبد الناصر، تقول له: “لا تخف.. مصر لن تُهزم.. السماء تقف إلى جانبكم!”
وحين علم الرئيس بالمعجزة، ذهب بنفسه إلى الزيتون، وقف هناك، تأمل النور، ورأى بعينيه ما رآه شعبه. في تلك اللحظة، لم يكن مجرد رئيس، بل كان مصريًا آخر، يحمل ذات الوجع، وذات الرجاء، وذات الحاجة إلى معجزة.
كان هذا الظهور كأنه دفعة روحية للأمة بأكملها، وكأن السماء أرادت أن تمنح مصر القوة لتستكمل طريقها، وأن تُعيد لعبد الناصر الثقة بأن الطريق لم ينتهِ بعد، وأن هناك معركة قادمة ستُعيد لمصر مجدها وكرامتها.
العذراء تبارك الكنيسة وتمنح البابا كيرلس السادس تاج السماء
لم يكن هذا الحدث العظيم مجرد رسالة سياسية أو معنوية، بل كان أيضًا علامة سماوية بارزة في تاريخ الكنيسة القبطية، التي كان يقودها في ذلك الوقت البابا كيرلس السادس، الرجل الصالح، الذي كان يُعرف بأنه رجل معجزات.
كان البابا كيرلس قديسًا على الأرض، عُرف بحياته المملوءة صلاة وتقوى، وكان قريبًا من قلوب المصريين جميعًا، مسلميهم ومسيحييهم. وعندما حدث الظهور، شعر الجميع أن السماء تبارك خدمته، وأن مصر كلها تحت رعاية إلهية خاصة.
تدفقت الملايين إلى الزيتون، رجال ونساء، مسلمون ومسيحيون، يقفون معًا في رهبة، يرفعون أعينهم نحو السماء، يلمسون النور بأرواحهم، ويشعرون بسلام لم يشعروا به من قبل.
نور يبشر بالنصر.. وبداية عصر جديد لمصر
لم يكن هذا الظهور بعيدًا عن الأحداث الكبرى التي ستشهدها مصر بعد ذلك. فقد كان بمثابة إعلان أن مصر لن تُهزم، وأن الزمن سيأتي برد الاعتبار، وأن هذه الأرض التي باركتها السماء ستنهض من جديد.
وبعد أربع سنوات فقط، تحقق الوعد، وانتصرت مصر في السادس من أكتوبر 1973، في يوم كتب فيه الجيش المصري سطور المجد، ورفع فيه راية النصر عاليًا.
كأن ظهور العذراء كان تمهيدًا لهذه اللحظة، وكأن السماء أرادت أن تُعدّ المصريين نفسيًا وروحيًا لهذا الانتصار العظيم، وكأن العذراء جاءت لتزرع بذور القوة في القلوب، حتى تُزهر نصرًا يدهش العالم.
مصر في قلب العناية الإلهية إلى الأبد
اليوم، وبعد أكثر من نصف قرن على هذا الظهور المبارك، لا يزال المصريون يذكرونه بقلوب ممتلئة بالإيمان. لا تزال الزيتون منارة للنور، ومصر كما كانت دائمًا، أرضًا مباركة، محفوظة بيد الله، ومضيئة بنوره.
هذا الوطن الذي تباركه السماء، لا يمكن أن يسقط. هذه الأرض التي تجلت فوقها العذراء، لا يمكن أن تنكسر. لأن مصر ليست مجرد وطن.. مصر رسالة سماوية، والنور الذي أشرق فيها لن ينطفئ أبدًا!