كارثة في ميناء إيراني: وقود صواريخ مشتعل وتعتيم رسمي… وأصابع الاتهام نحو إسرائيل

في حادثة تثير الريبة أكثر مما تقدم إجابات، اهتز ميناء الشهيد رجائي جنوب إيران بانفجار ضخم أودى بحياة أربعة أشخاص وأصاب المئات، وسط صمت رسمي غامض ومؤشرات مقلقة على وجود شحنات وقود صاروخي خطير مخزن بطريقة غير آمنة. وبينما تتقاطع خيوط الحدث مع تاريخ من الحوادث التخريبية المنسوبة إلى إسرائيل، تتكشف فصول قصة تضع إيران مرة أخرى في قلب العاصفة، في لحظة سياسية حساسة مع تقدم المفاوضات النووية. هذا التحقيق يكشف خبايا ما حدث… ومن قد يكون المستفيد الحقيقي من الكارثة.

في صباح اليوم “السبت المشؤوم”، هز انفجار مدوٍّ ميناء الشهيد رجائي جنوب إيران، محدثًا حريقًا هائلًا أسفر عن مقتل أربعة أشخاص وإصابة أكثر من 500 آخرين. وبينما تصاعدت سحب الدخان الأحمر والأسود فوق الميناء، برزت تساؤلات خطيرة: ما الذي انفجر تحديدًا؟ ومن يقف وراء هذه الكارثة؟

تحقيق “أسوشيتد برس” كشف أن الحريق كان مرتبطًا بشحنة من مادة “بيركلورات الصوديوم”، وهي مادة كيميائية تُستخدم في تصنيع وقود الصواريخ الصلب، وسط تأكيدات بأن السفن التي حملت هذه المواد جاءت مؤخرًا من الصين. ورغم ضخامة الانفجار، التزمت السلطات الإيرانية الصمت لساعات، مكتفية بنفي أي علاقة بين الحادث والصناعات النفطية.

خلف الكواليس: شحنة وقود صواريخ مكشوفة

مصادر أمنية خاصة أشارت إلى أن شحنتين على الأقل من “بيركلورات الصوديوم” وصلت إلى الميناء في مارس الماضي، بحسب بيانات تتبع السفن التي اطلعت عليها وكالة “أسوشيتد برس”. ورغم المخاطر المعروفة لهذه المادة شديدة الحساسية، لم تتخذ إيران إجراءات سريعة لنقلها أو تأمينها، مما يعيد إلى الأذهان الكارثة المأساوية لمرفأ بيروت عام 2020.

تقارير شركة الأمن “أمبري” أفادت أن سوء التعامل مع الوقود الصاروخي كان السبب المباشر للانفجار. ومع ذلك، ظل الغموض يلف الطريقة التي تم بها تخزين هذه المواد، ومن المسؤول عن التأخير في نقلها، وسط حالة من التعتيم الإعلامي الرسمي.

توقيت مريب.. ومفاوضات نووية على صفيح ساخن

الانفجار وقع في وقت حساس للغاية، تزامن مع الجولة الثالثة من المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة في سلطنة عمان، والتي سجلت تقدمًا غير مسبوق منذ شهور. ومع تصاعد الحديث عن احتمالية تخفيف العقوبات مقابل تقليص البرنامج النووي الإيراني، جاء الانفجار ليضع طهران في موقف حرج.

وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، لمّح إلى وجود “جهات تخريبية”، مؤكدًا أن “الأجهزة الأمنية في حالة تأهب قصوى”، دون تسمية جهة محددة. فهل كانت رسالة مبطنة إلى إسرائيل؟

بصمات إسرائيلية؟

تاريخ الميناء نفسه يحمل إشارات مقلقة؛ ففي عام 2020، تعرض ميناء الشهيد رجائي لهجوم إلكتروني نسبته تقارير غربية إلى إسرائيل، في إطار ما وصفته الصحافة الدولية بـ”حرب الظل” بين البلدين. عمليات سابقة استهدفت مصانع إيرانية لصناعة وقود الصواريخ الصلب بطائرات مسيرة أو تفجيرات غامضة.

ما يزيد من احتمالية ضلوع طرف خارجي أن نوع المواد التي انفجرت -بيركلورات الصوديوم- يدخل ضمن قائمة الأهداف الحساسة التي تعتبرها إسرائيل تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي، خاصة في ظل برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني.

الشهادات الحية تكشف الفوضى

مقاطع مصورة التُقطت قرب موقع الحادث أظهرت تصاعد دخان أحمر اللون -علامة مميزة لاحتراق مواد كيميائية معينة- وسط حالة ذعر عارمة. في أحد الفيديوهات، يظهر رجل يصرخ محذرًا من انفجار وشيك: “ارجعوا! أخبروا شاحنة البنزين أن تذهب!”، قبل لحظات من الانفجار الكبير الذي بعثر الزجاج والحطام على مسافة كيلومترات.

مستشفيات المنطقة استقبلت مئات المصابين وسط نقص حاد في الإمدادات الطبية، فيما هرعت فرق الإسعاف لمحاولة السيطرة على الوضع الذي خرج عن السيطرة خلال الدقائق الأولى.

الصمت الرسمي.. هل يخفي شيئًا أكبر؟

رغم مرور أكثر من 24 ساعة على الانفجار، ظلت الرواية الرسمية الإيرانية مقتضبة وغير مكتملة. اكتفت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا) بإلقاء اللوم على “مخزون من المواد الكيميائية الخطرة”، دون تقديم تفسيرات إضافية.

محللون يرون أن هذا التكتم ربما يخفي إحراجًا شديدًا، سواء من الإهمال الداخلي أو من خرق أمني سمح بوصول ضربة من الخارج إلى شحنة بالغة الحساسية.

بين الإهمال والاستهداف.. أسئلة بلا إجابة

يبقى السؤال مفتوحًا: هل كان الانفجار نتيجة إهمال داخلي كارثي في التعامل مع مواد شديدة الانفجار؟ أم كان هجومًا دقيقًا تم بتخطيط خارجي، في خضم صراع متصاعد على البرنامج النووي الإيراني؟

وبينما تتحرى الأجهزة الإيرانية خلف الكواليس، تبدو الحادثة تذكيرًا مرعبًا بأن الخطأ في إدارة المواد الكيميائية أو تجاهل خطر التخزين يمكن أن يكون له نتائج كارثية — خاصة في منطقة تغلي فوق برميل بارود.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى