تسريبات لجريدة ابو الهول .. ماذا كتب الملك أحمد فؤاد الثاني عن الرئيس السادات
كتّب – صموئيل العشاي:
يروي الملك السابق أحمد فؤاد الثاني، آخر ملوك مصر، قصته المليئة بالمشاعر مع الزعيم الخالد محمد أنور السادات، فيقول:
“تعود قصتي مع الرئيس السادات إلى ذلك الفصل المجيد من تاريخ أمتنا، حين انتفضت مصر لتسترد شرفها وعزتها في ملحمة السادس من أكتوبر عام 1973. كانت مصر آنذاك أحوج ما تكون إلى سواعد أبنائها، أينما كانوا، وإلى كل يد تمتد بالعون والدعم. وإيمانًا مني بواجبي تجاه وطني الأم، سارعت إلى تقديم مساهمة مالية لدعم المجهود الحربي، تعبيرًا عن محبتي الخالصة وتضامني العميق مع بلدي الأم، الذي لم تغادره محبتي رغم تباعد المسافات.”
ويتابع الملك فؤاد الثاني قائلاً بنبرة يغمرها التأثر:
“بلغ الأمر مسامع الرئيس السادات، فغمرني بتقدير بالغ، ولم يكن موقفه عاديًا أو عابرًا؛ إذ قرر، بعاطفة الكبار وإدراك العظماء لقيمة المواقف، أن يعيد إليّ الجنسية المصرية، ويمنحني جواز سفر مصري، في لحظة شعرت فيها أنني عُدت رسميًا إلى حضن وطني الحبيب. كانت تلك المبادرة نقلة كبرى في حياتي، عنوانها الوفاء، ومضمونها العطاء الوطني الخالص.”
وعن تلك اللحظة التاريخية، يروي الملك أيضًا:
“وقد دفعتني هذه الحفاوة الكريمة إلى أن أرفع للرئيس السادات طلبًا إنسانيًا عزيزًا على قلبي، أرجو فيه السماح بنقل رفات والدي، الملك فاروق الأول، إلى مسجد الرفاعي حيث ترقد أجساد آبائه وأجداده. وفوجئت، بل أُبهرت، بسرعة استجابة الرئيس السادات لهذا الطلب، في موقف نبيل يعكس رقي شخصه وعلو قدره، حيث جسّد بذلك معاني الوفاء للتاريخ، والإكرام للرموز الوطنية.”
ويمضي الملك في استحضار المواقف السامية قائلاً:
“ولم يقف عطاؤه عند هذا الحد، بل ازدادت دهشتي حينما بعث إليّ بمناسبة زفافي رسالة تهنئة رقيقة، أرفقها بهدية ذات دلالة عميقة: سيف والدي، الملك فاروق. كانت هدية تختصر في رمزيتها تاريخًا عريقًا، ورسالة محبة واحترام أغلى من أن تقدر بثمن.”
ويمضي الزمن ليحمل في طياته ذكرى أخرى لا تقل روعة:
“وعندما رُزقت بمولودي الأول، محمد علي، أتاح لي الرئيس السادات فرصة لا تقدر بثمن، حين سمح بأن يولد ابني على أرض مصر الطيبة. وللمفارقة المدهشة، أُجريت الولادة على يد الدكتور مجدي باشا، الطبيب نفسه الذي أشرف على ولادتي من والدتي الملكة ناريمان. ولظروف قاهرة، لم أتمكن من مرافقة زوجتي، فأوكلت المهمة لشقيقتي الأميرة فوزية. وما زالت صورة السيدة جيهان السادات، حرم الرئيس، ماثلة أمامي، وهي تزور زوجتي بالمستشفى مهنئةً بسلامة الولادة، في مشهد ينضح بالإنسانية والرقي.”
هكذا، ببساطة الكبار ووفاء العظماء، سطّر الرئيس محمد أنور السادات مواقف لا تمحى من ذاكرة الملك أحمد فؤاد الثاني، ومن ذاكرة التاريخ.
وجدير بالذكر أن الملك أحمد فؤاد الثاني، في لفتة وطنية سامية، قد بادر خلال حرب أكتوبر المجيدة باستبدال أسهم قليلة كان والده، الملك فاروق، يمتلكها في شركة “فيات” الإيطالية، بسيارات إسعاف متطورة، أرسلها إلى الجبهة دعمًا للجيش المصري الباسل، إيمانًا منه بأن خدمة مصر واجب لا يسقط بالتقادم، ولا تزيله السنون مهما طال الزمن.
هكذا تكون أخلاق الملوك، وهكذا يبقى التاريخ شاهدًا على مواقف الكبار…
رحم الله الرئيس محمد أنور السادات، بطل الحرب والسلام.