موقفان في انتخابات الصحفيين… لا أستطيع تجاوزهما
بقلم – صموئيل العشاي:
منذ أن بدأت الحملة الانتخابية على مقعد نقيب الصحفيين، وأنا واضح في موقفي أمام الجميع.
لم أغير كلمتي، ولم أتردد في الإعلان عن دعمي الكامل لنقيب وقائمة واحدة موصى عليها، في مواجهة قائمة أخرى يقودها الزميل خالد البلشي، ومعه قائمة تمضي بخطى مدفوعة فقط بمحبة زملاء يرغبون في إنجاحها.
هذا هو المشهد الذي نعيشه جميعًا… لكنه لم يكن خاليًا من المشاهد الصادمة والإنسانية التي لا تُنسى، وهناك موقفان شخصيان عشتهما في هذه الانتخابات، لا أستطيع أن أتجاوزهما أو أتغافل عن معانيهما.
الموقف الأول: بين الاعتذار والاحترام
قبل أيام، صادفني على “فيسبوك” تسجيل فيديو نشره الزميل أشرف فتحي عامر، يعترف فيه بصراحة وشجاعة أنه أساء في انتخابات سابقة إلى النقيب الأسبق يحيى قلاش، ووجه له نقدًا لاذعًا.
في الفيديو، يقول أشرف إنه عاد بعدها واعتذر ليحيى قلاش، وأن الأخير قبِل اعتذاره بروح كريمة.
في اللحظة الأولى، كذّبت الفيديو. ظننته قديمًا أو مشكوكًا في صحته، لأن هذا المستوى من الاعتراف والاعتذار نادر في أوساطنا المهنية، التي كثيرًا ما يغلب عليها العناد والانحياز.
وبينما كنت أستوعب هذه المفاجأة، التقيت زميلي وصديقي عمرو بدر، دفعتي في المهنة، وزميلي في جريدة “الدستور”.
قابلني بحرارة، وصافحني مبتسمًا وقال:
“أتمنى دعمك لي في الانتخابات القادمة.”
كررها مرتين، وأنا لا أعرف كيف أجيبه، فاكتفيت بابتسامة.
بعدها، التقينا مجددًا في عزاء زميلنا الراحل إيهاب صابر، الصحفي بجريدة “الوطن”، داخل قاعة العزاء الملحقة بمسجد عمر مكرم.
اقترب مني عمرو مرة أخرى، وسألني بهدوء وثقة:
“هل ستدعمني؟”
فأجبته بصراحة لا أخفيها:
“أنت تعرف أنني سأدعم قائمة الدولة.”
رد عليّ برد يحمل نضجًا واحترامًا:
“نحن جميعًا نحب دولتنا، وكلنا مرشحون لخدمة مصر.”
فأجبته بكلمة خرجت من قلبي:
“قلبي معك.”
هذا الموقف – رغم بساطته – لم يكن سهلًا. فيه قدر من الحيرة، وفيه حزن على انقسامنا في الوقت الذي نحتاج فيه إلى التوحد على قيم المهنة، لا على الاصطفاف خلف هذا أو ذاك.
الموقف الثاني: رسالة أدمت قلبي
الزميلة العزيزة فيولا فهمي، من دفعتي، ورفيقة سنوات طويلة من المواقف والمواجهة، أصيبت خلال هذه الحملة الانتخابية، وأصابتني معها مشاعر مختلطة من الحزن والغضب والامتنان.
فيولا ليست مجرد زميلة، بل كانت وما زالت جزءًا من مشهد نضالي طويل عشنا تفاصيله معًا، يوم كانت هي نوزّع علينا شرائح التفاح ومناديل مبلله بالخل لمقاومة الغاز في ميدان التحرير لنضعها على عيوننا.
وأقولها بوضوح، وبلا خجل:
أنا أفتخر أنني شاركت في ثورة يناير، قبل أن يسرقها الإخوان والسلفيون.
وحين سقط المشهد في يدهم، لم أتردد في البحث عن “عمر سليمان”، ليكون صوتًا في مواجهة من أرادوا اختطاف مصر. ولكنهم نجحوا في إبعاده عن المشهد.
فيولا تمثل بالنسبة لي سنوات طويلة من الصحافة، من الاختلاف، من التصادم أحيانًا، ومن التقاطع أحيانًا أخرى.
وتشهد على هذه الرحلة الزميلة والصديقة إيمان عوف، التي عاصرتنا معًا، وشاركتنا النقاشات والحوارات والجدل الذي لم يكن يومًا عداوة، بل كان اختلافًا سياسياً في وجهات النظر.
في الانتخابات الحالية، كانت الرؤية في الحملة التي أعمل معها واضحة: ندعم مجموعة من المرشحين مع قائمة الحكومة، وعملت بكل ما أملك من جهد لدعم تلك الأسماء.
وفي صباح يوم إصابة فيولا، كتبت منشورًا على صفحتي، رسالة مواساة صادقة، نشرتها من القلب، موجهة لصديقة قديمة أعرفها منذ 19 عامًا.
وارسلتها عبر الوتساب، لكن ما لم أكن أتوقعه، هو أن أجد تعليقًا من أحد المحسوبين على حملتنا، يكتب لي في الرسائل الخاصة:
“واحدة وقعت من قائمة البلشي… عقبال الباقي.”
الصراحة؟ هذه الجملة أحزنت قلبي.
ما كنت أتصور أن يصل بنا الخلاف الانتخابي إلى هذا المستوى من القسوة.
لا شماتة في المرض، ولا فرح في ألم الآخرين، خاصة لو كانوا ممن رافقونا في الشارع والنقابة والتاريخ.
أقولها بوضوح وبصدق، وبحكم متابعتي الدقيقة لكل تفاصيل الحملتين:
كل مرشح – سواء في هذه القائمة أو تلك – يتواصل معي على انفراد، ويطلب دعمي له شخصيًا، وكأننا لسنا في معركة قائمة ضد قائمة.
أنا شخصيًا حزين.
هذه – في رأيي – أسوأ تجربة انتخابية مرت على نقابتنا.
المرشحون لم يقدموا لنا مشروعًا مهنيًا جامعًا، بل جعلوا من النقابة ساحة استقطاب وخلافات وانقسامات، لا معركة على تحسين أوضاع الصحفيين.
أتمنى من الزملاء، كل الزملاء، أن يعملوا بعد هذه الانتخابات على إصلاح ما أفسدته الحملات الفرديه، وأن يعيدوا للنقابة معناها الحقيقي:
بيت للصحفيين… لا معركة للتيارات