في قضية طفل دمنهور: لا تعليق على أحكام القضاء… الحكم هو عنوان الحقيقة

بقلم – صموئيل العشاي:

في القضايا التي تثير الرأي العام وتستدرج العواطف، يكون الصمت أحيانًا أبلغ من الصراخ، ويكون احترام أحكام القضاء واجبًا وطنيًا قبل أن يكون موقفًا قانونيًا. قضية “طفل دمنهور” واحدة من تلك القضايا التي فرضت نفسها على وجدان المجتمع، بين قلوب تهتز تعاطفًا، وعقول تحاول فهم أبعاد القرار القضائي.

ولأن “الحكم هو عنوان الحقيقة”، كما رسّخت محاكمنا الشامخة، فإن المنطق يفرض علينا أن نضع ثقتنا في مؤسسات العدالة، التي تنظر في الوقائع وتزن الأدلة وتطبق القانون. لا يملك أحد — خارج أروقة المحكمة — أن يضع نفسه موضع القاضي، أو أن يقفز فوق الأوراق والمرافعات والشهادات ليصدر حكمًا من تلقاء نفسه، مدفوعًا فقط بانفعال اللحظة أو صوت الجموع.

في قضية “طفل دمنهور”، نحن لا نملك كل التفاصيل، ولا نعرف خبايا التحقيقات، ولا نطّلع على حيثيات الحكم كاملة. ما نملكه فقط هو مشاعرنا، وهذه — رغم مشروعيتها — ليست معيارًا للحقيقة القضائية. فالقضاء لا يحكم بالعاطفة، بل بالحجج والبراهين والمادة القانونية.

إن العدالة الحقيقية ليست في أن ننتصر لمشاعرنا، بل في أن نؤمن بمنظومة القضاء حين تمارس دورها وفق القانون والدستور. والاعتراض المشروع على أي حكم له أبوابه القانونية، من الاستئناف إلى النقض، وليس في ساحات الإعلام أو الميديا الاجتماعية.

ختامًا، تبقى مشاعرنا مع الطفل وأسرته، وتبقى عيوننا معلّقة بعدالة مصر التي لطالما كانت ملاذًا آمنًا للحق، وسياجًا منيعًا ضد الظلم، لكن يبقى الأهم: أن نثق بالقضاء، ونحفظ له قدسيته، لأنه السدّ الأخير أمام فوضى الأحكام الفردية.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى