شروط واشنطن المرتفعة… وماذا يستطيع الإيراني قبوله؟ترامب يُعيد ضبط مسار التفاوض النووي بين المرونة والضغط
بقلم – صموئيل العشاي:
في خضم التحولات الإقليمية والدولية، عاد ملف البرنامج النووي الإيراني إلى الواجهة مجددًا، بعد التصريحات الأخيرة للرئيس الأميركي دونالد ترامب، والتي حملت إشارات واضحة إلى تفضيله استمرار المسار السلمي في التعامل مع طهران، رغم إبعاده بعض “الصقور” من دائرة التفاوض.
إلا أن هذا التوجه لا يخفي واقعًا تفاوضيًا معقدًا، إذ ما زالت واشنطن تطرح شروطًا عالية السقف، أثارت جدلاً واسعًا في الأوساط الإيرانية والدولية، حول مدى واقعية هذه الشروط، وحول ما يمكن أن تقبله إيران، وما تعتبره خطوطًا حمراء لا تقبل النقاش.
المطالب الأميركية المُسرّبة: من التشدد إلى الاختراق الناعم
تُشير تسريبات من داخل أروقة المفاوضات إلى أن الإدارة الأميركية تقدمت بعدد من الشروط، التي تُظهر رغبة واشنطن في فرض رقابة غير مسبوقة على البرنامج النووي الإيراني، وجاءت أبرز تلك المطالب على النحو التالي:
1. إيقاف تخصيب اليورانيوم بالكامل، مع إلزام إيران باستيراد حاجتها من اليورانيوم من الخارج، وبشكل حصري من روسيا، التي ستكون بمثابة الضامن والمزود الأساسي للوقود النووي.
2. إخراج كامل اليورانيوم المُخصب بنسبة تفوق 3.67% من إيران، أو ترقيقه وتحويله إلى قضبان نووية تُستخدم لأغراض سلمية فقط، ولا يمكن تحويلها عسكريًا.
3. السماح بتفتيش أميركي مباشر للمنشآت النووية المشكوك بأمرها، في خطوة تتجاوز إطار التفتيش الدولي المعمول به ضمن الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
4. إدخال شركات أميركية كمستثمر رئيسي في المشاريع النووية الإيرانية، لتصبح واشنطن شريكًا فعليًا ومراقبًا للأنشطة النووية عبر الاقتصاد.
5. اتفاق غير محدد بزمن، بمعنى اتفاق مفتوح المدة يضمن بقاء الضغوط والرقابة بشكل دائم على البرنامج الإيراني.
6. تفتيش منشآت عسكرية إيرانية مختارة، للتأكد من عدم تطوير صواريخ بعيدة المدى قادرة على حمل رؤوس نووية، وهو مطلب شديد الحساسية بالنسبة لطهران.
الموقف الإيراني: بين ثوابت لا تُمسّ وقبول مشروط
في المقابل، تتعامل طهران بحذر بالغ مع هذه المطالب، إذ ترى في بعضها تهديدًا مباشرًا لسيادتها وأمنها القومي، وترفض مطلقًا أن يتحول الاتفاق إلى أداة لتجريدها من قوتها التكنولوجية والعسكرية. ويمكن تلخيص الموقف الإيراني بثلاثة مستويات:
أولاً: الخطوط الحمراء الإيرانية
• رفض قاطع لأي تفتيش على المنشآت العسكرية، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، باعتبار ذلك مساسًا بسيادة الدولة وسرّيتها الدفاعية.
• رفض التنازل عن المعرفة النووية أو تفكيك البرنامج النووي، وتؤكد طهران أن هذا الحق مكفول لها بموجب القانون الدولي، ما دامت لا تسعى إلى السلاح النووي.
ثانيًا: القضايا القابلة للتفاوض
• إمكانية إدخال خبراء أميركيين ضمن فرق الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لكن دون أن تكون هناك فرق أميركية مستقلة، حفاظًا على صورة إيران كدولة مستقلة ذات سيادة.
• النقاش حول اليورانيوم المخصب بنسبة تفوق 3.67%، حيث يمكن لإيران التفاوض على إخراجه أو تحويله، مقابل ضمانات أميركية واضحة تتعلق برفع العقوبات وعدم الانسحاب مجددًا من الاتفاق كما حدث في عهد ترامب سابقًا.
ثالثًا: شروط قد تقبل بها إيران
• منح امتيازات استثمارية للشركات الأميركية في مشاريع بناء محطات الطاقة النووية، حيث سبق أن أعلن كبير المفاوضين الإيرانيين، عباس عراقتشي، استعداد بلاده لإنشاء 19 محطة نووية جديدة يمكن للولايات المتحدة المشاركة في بعضها.
• قبول اتفاق مفتوح المدة، إذا ما تضمن مكاسب استراتيجية لطهران، وفي مقدمها رفع شامل للعقوبات، وعدم التعرض للبرنامج النووي السلمي مستقبلاً.
خاتمة: بين الواقع والطموح… من يتنازل أولاً؟
في النهاية، يتبين أن الفجوة بين الشروط الأميركية والموقف الإيراني ما زالت واسعة، لكنها ليست مستحيلة الردم.
واشنطن تبدو مستعدة لتوظيف أدواتها الاقتصادية والتقنية كوسيلة للرقابة الناعمة، بينما تراهن طهران على قدرتها على المناورة من داخل أطر القانون الدولي، مع حفاظها على أوراق قوة استراتيجية.
ويبقى السؤال الأبرز: هل يستطيع ترامب الوصول إلى اتفاق “أقوى وأطول” كما وعد، دون أن يُفجّر الداخل الإيراني؟ أم أن طهران ستفرض مجددًا معادلتها القائمة على السيادة والكرامة مقابل أي تنازل؟
المفاوضات المقبلة قد تحمل مفاجآت، ولكن المؤكد أن ميزان القوة بات يُرسم بالحذر والدقة، لا بالصوت العالي.