وسام شنودة… الطبيبة التي أوقفت القطار لتنقذ روحًا على حافة الموت

في لحظة من اللحظات التي تكشف فيها الحياة عن أجمل ما في البشر من رحمة وضمير، كانت الطبيبة وسام شنودة تجلس في هدوء داخل القطار الإسباني رقم 935، الذي انطلق من محطة أسيوط متجهًا إلى الإسكندرية. ربما كانت تخطط لقراءة كتاب، أو تأمل في طريق طويل، لكن الأقدار كانت على موعد مع بطولة إنسانية نادرة.

فجأة، وقبل أن يصل القطار إلى محطة طنطا، شقّ صمت الرحلة صوت مذعور صادر من الكمساري، وهو يصيح بصوت عالٍ:
“فيه دكتور هنا يا جماعة؟ في حالة تعبانة ومحتاجين مساعدة!”

ما إن سمعت الطبيبة وسام هذا النداء حتى نهضت كمن سمع صوت ضميره يناديه. هرعت مسرعة بين الركاب، لا تفكر في شيء سوى أن هناك إنسانًا يستغيث… وهناك حياة ربما تتوقف إن لم تصل هي في الوقت المناسب.

وصلت إلى حيث كانت أم شابة تحتضن طفلها، وهو بين الحياة والموت. الطفل لم يتجاوز عامًا ونصف، مغشي عليه، لا يتحرك، لا يبكي… والوجه شاحب كأن النَفَس الأخير غادره.
والأم… منهارة، تبكي بحرقة، تحتضن فلذة كبدها وهي تشعر بالعجز والاختناق.

هنا تحركت الطبيبة وسام بلا تردد، كما لو كانت ساحة القطار غرفة إنعاش، وجسد الطفل بين يديها مسؤولية حياة كاملة.
قامت بعمل تنفس صناعي بسرعة، وبدأت إجراءات الإسعافات الأولية، بينما الركاب يترقبون، والقلوب تدعو.
بدأ الطفل يتنفس، ولكن ما زال فاقدًا للوعي… الخطر لم ينتهِ بعد.

في تلك اللحظة، وقفت وسام في وجه الزمن والموت وقالت بثقة لا يمتلكها إلا أصحاب الضمير الحي:
“لازم القطار يقف حالًا… الولد هيموت لو استنينا لغاية طنطا!”

ذهبت إلى رئيس القطار، طلبت إيقاف القطار فورًا واستدعاء سيارة إسعاف.
لكن المفاجأة أن السائق رفض قائلًا:
“القانون ما بيسمحش نوقف غير في محطة طنطا.”

لكن وسام لم تكن امرأة عادية في هذه اللحظة…
كانت أمًا، وكانت طبيبة، وكانت ضميرًا حيًا يُنادي من أجل حياة إنسان صغير.
قالت بصوت مملوء بالألم والإصرار:
“لسه فاضل ساعة… والولد هيموت!

ضغطت بكل ما تملك من قوة إنسانية على القرار، حتى اضطر رئيس القطار للتواصل مع ناظر محطة بنها، الذي بدوره أمر بإيقاف القطار فورًا… وكان ذلك القرار هو الفرق بين الموت والحياة.

القطار توقّف في بنها.
وكانت هناك عربية إسعاف مجهزة في الانتظار، ومعها دورية شرطة لتسهيل وصول الطفل إلى مستشفى الأطفال بسرعة.
وفي المستشفى…
عاد النبض للطفل، وعادت البسمة إلى وجه أم كادت أن تفقد كل شيء.
وارتسمت على وجه الطبيبة وسام ابتسامة انتصار… انتصار للرحمة والضمير والموقف.

يا لها من لحظة، حين تنتصر إنسانة على الروتين، وتكسر القواعد من أجل حياة…
يا لها من طبيبة عظيمة، تضع الشرف المهني فوق كل اعتبار، وتجعل من قطار متجه شمالًا عربة نجاة لطفل صغير.

الطفل كان وحيد أبويه، جاء بعد سنوات طويلة من الانتظار والأمل،
وكان قاب قوسين أو أدنى من الموت… لولا أن سمع الله نداء أمه،
وأرسل له ملاكًا في هيئة طبيبة على متن نفس القطار.

الإنسانية لها عنوان… واسمه وسام شنودة.

لكِ كل التحية أيتها الطبيبة العظيمة،
وليتنا نكتب لكِ اليوم ألف شكر… وألف دعاء.
فما قمتِ به لا يُنسى، بل يُخلد في ذاكرة كل من عرف القصة.

اكتبوا لها كلمة خير… فإن الكلمة الطيبة صدقة، وإن الامتنان حقٌ على كل ضمير حي

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى