قراءة في دلالات اختيار البابا ليون الرابع عشر: كنيسة تتجدد خارج التقاليد الأوروبية

يُمثل انتخاب الكاردينال الأميركي روبرت بريفوست، المعروف اليوم باسم البابا ليون الرابع عشر، لحظة مفصلية في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية، ليس فقط من حيث الشخصية التي تم اختيارها، بل من حيث الدلالات العميقة لهذا الاختيار في سياق التحولات الكبرى التي تعيشها الكنيسة عالميًا.

أولاً: كسر تقليد أن يكون البابا أوربيا

منذ تأسيس الكنيسة الرومانية، سيطر بعض الوقت الطابع الأوروبي – لا سيما الإيطالي – على انتخاب الباباوات. وباستثناءات محدودة، ظلت أوروبا مهدًا ومركزًا لاختيار رأس الكنيسة. غير أن انتخاب بريفوست، القادم من شيكاغو، يشير إلى تحوّل نوعي في تفكير الكنيسة، حيث تعترف اليوم بثقل الحضور الكاثوليكي خارج أوروبا، خصوصًا في الأميركيتين وأفريقيا وآسيا.

هذا البابا لا يحمل فقط الجنسية الأميركية، بل خبرة تراكمية في أمريكا اللاتينية، وهي القارة التي تمثل اليوم إحدى أكثر المناطق نموًا في عدد المؤمنين الكاثوليك.

ثانيًا: استمرارية نهج البابا فرنسيس

جاءت شخصية بريفوست لتُجسّد ما بدأه البابا فرنسيس: إصلاح الفاتيكان، وتبسيط هياكله، وتخليصه من البيروقراطية والتقوقع الكهنوتي. فالكرسي الرسولي لم يذهب هذه المرة إلى شخصية محافظة تقليدية، بل إلى رجل يؤمن بالحوار والانفتاح، ويتبنى موقفًا ناقدًا من السلطة الكنسية المطلقة، وهو القائل:

“الأسقف لا يُفترض أن يكون أميرًا صغيرًا يجلس على عرشه”.

اختياره يمثل ثقة من مجمع الكرادلة في استمرار “روح الإصلاح” داخل الكنيسة، لا التراجع عنها.

ثالثًا: شخصية هادئة لكن ذات نفوذ

رغم أنه حديث العهد في مجمع الكرادلة، فإن منصبه السابق كرئيس لدائرة الأساقفة، ومكانته في الكوريا الرومانية، منحاه موقعًا استراتيجيًا في قلب الفاتيكان. وبهذا المعنى، فإن صعوده ليس مفاجئًا بقدر ما هو انعكاس للنفوذ المتنامي لشخصيات تكنوقراطية، تملك خلفيات قانونية وإدارية، قادرة على إدارة مؤسسة عملاقة بحجم الكنيسة الكاثوليكية.

رابعًا: التأقلم الثقافي والتواصل العالمي

يتحدث البابا الجديد خمس لغات، ويتمتع بخبرة ميدانية من بيرو إلى روما. وهذا ليس تفصيلًا، بل مؤشر مهم على أن الكنيسة تبحث عن بابا يتجاوز الحواجز الثقافية واللغوية، وقادر على التواصل مع كنائس العالم المحليّة، من الفلبين إلى الكونغو، ومن الأرجنتين إلى الهند. هذا التنوّع في الخبرة يُعدّ ثروة ضرورية لبابا يقود أكثر من 1.3 مليار مؤمن في عالم متغير.

خامسًا: اللحظة التاريخية للكنيسة

يأتي هذا الانتخاب في وقت تواجه فيه الكنيسة تحديات ضخمة: تراجع حضورها في أوروبا، قضايا أخلاقية وفضائح قديمة، ومطالب متزايدة بالإصلاح اللاهوتي، من دور المرأة إلى الموقف من المثلية والعلمانية. وبالتالي، فإن اختيار شخصية ذات خلفية رعوية، وقادرة على بناء التوافقات لا الصدامات، قد يكون الخيار الأمثل لاحتواء التوترات وتوجيه الكنيسة نحو أفق جديد أكثر توازنًا.

ختامًا:

إن انتخاب ليون الرابع عشر ليس فقط اختيارًا لشخص، بل هو رسالة متعددة الأبعاد: الكنيسة الكاثوليكية تتجه نحو العولمة الحقيقية، تعترف بتعدد الأصوات، وتحاول أن تجد لها مكانًا متجددًا في عالم متغيّر.

إنها تقول لمؤمنيها: العالم بيتنا، لا روما وحدها.

هل ترغب أن أوسّع هذا التحليل بإضافة مقارنات مع باباوات سابقين أو السياقات السياسية المحيطة؟

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى