الرصيد الدبلوماسي والسياسي لزيارة البابا تواضروس الثاني: كيف تستثمر مصر «القوّة الناعمة»؟
من عواصم وسط أوروبا إلى قلب القاهرة، حمل قداسة البابا تواضروس الثاني رسالة سلامٍ وتواصلٍ تُجسِّد قوةً ناعمةً تتجاوز الحدود الدينية لتصل إلى أبعادٍ سياسيةٍ واستراتيجيةٍ حقيقية. فبعد جولته التاريخية التي شملت لقاءاتٍ مع أقباطٍ كنائسهم شاهدةٌ على التاريخ، وأخرى مع قادة دول ورؤساء حكومات ووزراء كبار، بدا واضحًا أن استقبال أوروبا الحارّ لقداسته ليس فخريًا للكنيسة وحدها، بل هو اعتراف بحق مصر في أن تكون جسراً للحوار والتلاقي بين الشرق والغرب.
من الاحتفاء الروحي إلى خريطة فرص موحَّدة
لم يقتصر دور زيارة البابا على تعزيز الروابط الروحية بين الكنيسة القبطية والجاليات في برلين وفيينا وميونيخ، بل أرسى أرضية للحوار السياسي والدبلوماسي؛ إذ رأى كبار المسؤولين الأوروبيين في حضوره تمثيلاً لمتانة النسيج المصري ومصداقية رسالته في العالم. وهنا تتجلى الفرصة أمام الحكومة المصرية لتوحيد جهود وزارة الخارجية ووزارة الاستثمار ووزارة السياحة والآثار ضمن استراتيجية متكاملة:
1. دعوات رسمية تتبعها زيارات ملموسة
• تُوجَّه وزارة الخارجية بدعوة القادة الأوروبيين الذين احتفى بهم البابا، لزيارة مصر رسميًا.
• تُنظم جولات تضم لقاءات مع الرئيس ونخبًا سياسيةً واقتصاديةً، ما يعزز ثقة المستثمرين ويقوّي العلاقات الثنائية.
2. حزم تحفيزية للاستثمار الأجنبي
• تضع وزارة الاستثمار برامج إعفاء ضريبي لمدة خمس إلى سبع سنوات للمشروعات السياحية والثقافية الجديدة.
• تُسهِّل إجراءات الترخيص للأفكار المبتكرة في مجال السياحة العلاجية والبيئية، مستفيدةً من موارد البحر الأحمر وجبال سيناء.
3. برامج سياحية ثقافية ودينية متنوعة
• تصمم وزارة السياحة باقات سياحية تشمل الآثار الفرعونية والأديرة القبطية التاريخية (جبل المقطم وسانت كاترين) جنبًا إلى جنب مع منتجعات البحر الأحمر والعلاجات الطبيعية.
• تُضاف إليها جولات ثقافية في متحف الحضارات ومراكز البحوث المشتركة التي تفتح الباب أمام الأكاديميين والباحثين الأوروبيين للدراسة والتعاون.
«مصر بلد اللقاء»: مبادرة لحوار دائم
لضمان استدامة هذا الزخم، نقترح إطلاق برنامج وطني تحت شعار «مصر بلد اللقاء»، يتولى تنفيذه:
• لجنة عليا مشتركة تجمع «الخارجية – الاستثمار – السياحة – الثقافة – الشباب» لمتابعة الدعوات ووضع جدول زيارات سنوي.
• مهرجانات سنوية تحتفي بالتراث القبطي المصري، تضم ندواتَ في القاهرة والإسكندرية وبني سويف، وتُدعو إليها شخصيات أوروبية صنعت لقاءها الأول مع مصر عبر زيارة البابا.
• حملة إعلامية موحدة تُسوق لقيم التعايش والسلام الذي يمثّله البابا تواضروس، وتبرز الوجه الحضاري والثقافي المصري في الصحف والقنوات الأوربية.
ثمار الاستثمار: بين المعبد الأثري والمنتجع الصحي
منصةٌ اقتصاديةٌ تمتدُّ من أهرامات الجيزة إلى وديان البحر الأحمر، ومن دير سانت كاترين إلى واحة سيوة، قادرةٌ على استقطاب رؤوس الأموال وتنوّع سياحةٍ تتراوح بين دينية وعلاجية وتاريخية وشاطئية. فحين يرى المستثمر الأوروبي في دعوة رسمية تتضمن:
• تصاميم معاصرة لمتنزهات تاريخية تأخذ بيده إلى قصص الأقباط عبر العصور.
• مشروعات متكاملة للسياحة العلاجية في نويبع بطابعٍ بيئي، تديرها شراكات بين القطاعين العام والخاص.
• مراكز ثقافية في أسوان والإسكندرية تُتيح للدراسات القبطية والحوار بين الأديان فرصة الانتعاش.
سيكون قد تحوّل ترحيب الكنائس الأوروبية بقداسة البابا إلى شريانٍ حيويّ يدعم اقتصاد مصر ويثري نسيجها الاجتماعي.
إنجازٌ دبلوماسيٌ يستحق الاهتمام
زيارة البابا تواضروس الثاني هي أكثر من حدثٍ ديني؛ إنها إثباتٌ عمليٌّ لقدرة مصر على استثمار «القوّة الناعمة» في بناء جسورٍ دبلوماسيةٍ وثقافيةٍ واقتصاديةٍ مستدامة. على الحكومة أن تلتقط هذه الفرصة بحزمة سياساتٍ متكاملة؛ من الدعوات الرسمية وبرامج الحوافز إلى العلامات التسويقية الموحدة تحت راية «مصر بلد اللقاء». حينها، لن تكون مصر فقط محط أنظار العالم روحياً، بل أيضاً مقصدًا للاستثمار والتبادل الحضاري.