مصر تدق أبواب إفريقيا بالحديد والنار الناعمة: مشروع القرن يبدأ من 6 أكتوبر إلى أبو سمبل نحو قلب القارة السمراء

تقرير خاص – صموئيل العشاي
في مشهد يحمل كل ملامح المستقبل، وعلى امتداد الصحراء التي كانت صامتة لعقود، تنبعث الآن أصوات الماكينات، وهدير التصميم، ورؤيةٌ لا تعرف المستحيل. مصر بدأت فعليًا تنفيذ مشروع الربط السككي العملاق من مدينة 6 أكتوبر إلى مدينة أبو سمبل جنوبًا، على امتداد محور التنمية الذي صمّمه العالم الجليل الدكتور فاروق الباز، والذي طالما نادى به كقلب نابض لتنمية حقيقية تنطلق من داخل الأرض المصرية نحو العمق الإفريقي.
إنه ليس مجرد خط حديدي جديد… إنه ممر تنموي شامل، يحمل في مساره شريانًا اقتصاديًا ولوجيستيًا هائلًا، سيمتد جنوبًا ليربط أبو سمبل بمدينة أبو حمد السودانية، ومن هناك تتشعب الرؤية المصرية لتضم دول السودان، إريتريا، إثيوبيا، جيبوتي، الصومال، كينيا، وتنزانيا، وحتى يصل المشروع في مراحله اللاحقة إلى جنوب السودان وعمق القارة حتى جنوب إفريقيا!
تمويل كويتي ورؤية مصرية تتحدى الزمن
المشروع الحالي لربط أبو سمبل بأبو حمد، حصل على تمويل مبدئي عبر منحة من الصندوق الكويتي للتنمية بقيمة 750 ألف دينار كويتي، بما يعكس ثقة المؤسسات الدولية في المشروع المصري، وإيمانًا عربيًا بأهمية دور مصر في قيادة التنمية بالقارة.
ويمثل هذا المشروع المرحلة الأولى من الممر اللوجيستي الدولي المصري الأفريقي، الذي يشبه في طموحه ما يُعرف بـ”طريق الحرير الصيني”، لكن بروح وهوية أفريقية خالصة، وبمركز ثقل تتحكم فيه مصر من موقعها الجغرافي والسياسي والاستراتيجي.
أبو سمبل: من معبد إلى ممر عالمي
ما كان يومًا مجرد مدينة أثرية عظيمة تحمل معبدًا فرعونيًا خلد ذكرى رمسيس الثاني، ستتحول الآن إلى محطة مركزية استراتيجية تربط بين ثلاثة محاور:
- محور شمال–جنوب (مصر إلى جنوب إفريقيا).
- محور شرق–غرب (من السودان إلى سواحل البحر الأحمر وشرق أفريقيا).
- محور لوجيستي–صناعي (يحوّل مصر إلى مركز تحويل بضائع أفريقي ضخم).
صعيد مصر على موعد مع الانطلاق
النتائج المباشرة لهذا المشروع لن تقف عند حدود النقل أو التجارة فقط، بل ستُحدث ثورة صناعية في صعيد مصر:
- بناء آلاف المصانع التحويلية لمعالجة البضائع القادمة من إفريقيا.
- استحداث ملايين من فرص العمل المباشرة وغير المباشرة.
- إطلاق موجة استثمارية غير مسبوقة في مجالات اللوجستيات والصناعة والزراعة والطاقة.
مصر تعود إلى إفريقيا… بالقطارات والمصانع
لطالما كانت مصر بوابة إفريقيا الشمالية، لكن السياسة والجغرافيا وحدهما لا يصنعان التأثير، بل المشروعات الكبرى هي من تُرسخ الأقدام وتُعيد توزيع القوى. ومع هذا المشروع، تدخل مصر في قلب المعادلة الإفريقية الجديدة كقائد اقتصادي وتنموي حقيقي.
ومن المتوقع أن تبدأ الخدمة الفعلية لهذا المشروع نهاية عام 2025 أو مطلع 2026، أي أننا على بُعد أشهر قليلة من ولادة عصر جديد من العلاقات المصرية–الأفريقية، يتجاوز الزيارات البروتوكولية والقمم الرئاسية، إلى واقع ملموس، يُقاس بعدد القطارات، وسعة الحاويات، وحجم التبادل التجاري اليومي.
خاتمة: عندما تنطلق القطارات… يتحرك التاريخ
مصر لا تبني سكة حديد فحسب، بل ترسم خطًا جديدًا في خريطة النفوذ والفرص في إفريقيا. وبينما ينظر العالم إلى الجنوب على أنه ساحة للفرص والصراعات، تضع مصر نفسها الآن كجسر آمن، وممر حضاري، ويد تنموية ممدودة لكل شعوب القارة.
هنا، تنطلق قاطرات المستقبل… من قلب مصر إلى قلب إفريقيا.
وهنا، نكتب صفحة جديدة من التاريخ، عنوانها:
مصر تقود.. وإفريقيا تتكامل