محمود حمزة… “جولاتي” جديد تُعدّه المخابرات الأمريكية لقيادة ليبيا؟

كتب – صموئيل العشاي

في مشهد يكشف عمق التشابك بين القوى المحلية والدولية في الساحة الليبية، أعادت اشتباكات طرابلس الدامية تسليط الضوء على شخصية العقيد محمود حمزة، قائد اللواء 444 قتال، والذي تقول مصادر مطّلعة إنه بات اليوم الرهان الجديد لوكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA) لقيادة المشهد العسكري – وربما السياسي – في ليبيا.

الإفراج عن حمزة بعد معركة مدوية

في منتصف أغسطس 2023، انفجرت العاصمة الليبية طرابلس على وقع واحدة من أعنف المواجهات المسلحة منذ سنوات، بين اللواء 444 قتال وخصمه التقليدي قوة الردع الخاصة، إثر اعتقال العقيد حمزة في مطار معيتيقة أثناء محاولته السفر. وأسفرت الاشتباكات عن مقتل 55 شخصًا وإصابة 146 آخرين، مما أشعل الغضب في مناطق نفوذ اللواء جنوب العاصمة.

وبعد وساطات قادها أعيان منطقة سوق الجمعة، أُفرج عن العقيد محمود حمزة في 16 أغسطس، وسُلّم إلى جهاز دعم الاستقرار، قبل أن يعود سريعًا إلى معقله في معسكر اليرموك التابع للواء 444، وسط استقبال حافل من قواته، في رسالة رمزية تؤكد صلابته وقوته داخل موازين الساحة الليبية المعقدة.

من “الردع” إلى قيادة أحد أقوى التشكيلات

حمزة ليس وجهاً جديدًا في المشهد العسكري الليبي. فقد كان أحد المؤسسين لكتيبة “الردع الخاصة” في عام 2013، إلى جانب القائد الشهير عبد الرؤوف كارة. إلا أن الخلافات داخل الكتيبة بعد إعادة هيكلتها عام 2018، دفعته إلى تأسيس “الكتيبة 20:20”، والتي تحوّلت لاحقًا إلى ما يُعرف اليوم بـ اللواء 444 قتال.

هذا اللواء بات يُعتبر الأكثر تنظيمًا وانضباطًا بين الميليشيات أو التشكيلات المسلحة في غرب ليبيا، حيث ينتشر في مناطق حيوية من جنوب طرابلس، ويسيطر على ترهونة وبني وليد، إضافةً إلى إشرافه على تأمين جزء كبير من طريق طرابلس – فزان، وهو ما يمنحه ثقلاً لوجيستيًا وعسكريًا لافتًا.

تدريبات دولية… وإشارات أمريكية واضحة

في ديسمبر 2023، شارك اللواء في مناورات “محاربو الصحراء” جنوب ترهونة، بمشاركة قوى دولية أبرزها فرنسا، إيطاليا، إسبانيا، البرتغال، ومالطا، إلى جانب دول مغاربية عدة. وفي مارس 2024، أعلنت السفارة الأميركية في ليبيا عن لقاءات رسمية بين الملحق العسكري الأميركي وقادة اللواء 444، لمناقشة خطط تدريبية وتطوير قدرات الجنود في الغرب الليبي.

هذه اللقاءات – وفقًا لمصادر دبلوماسية – لم تكن مجرّد تنسيق عسكري تقني، بل كانت جزءًا من خطة أوسع وضعتها وكالة الاستخبارات الأميركية لإعادة رسم خريطة القوى الفاعلة في ليبيا، واختيار من تعتبرهم “ضباط المستقبل”، القادرين على ضبط الأمن والتحكّم في مفاصل البلاد بعيدًا عن نفوذ الشرق أو التمدد الروسي عبر قوات “فاغنر”.

حمزة… المشروع البديل بعد إخفاقات متتالية

تقول مصادر مطّلعة على الملف الليبي إن واشنطن، وبعد إخفاقها في دعم عدة وجوه عسكرية وسياسية لم تستطع فرض الاستقرار، بدأت تتجه نحو نموذج عسكري صاعد، من داخل الأرض، وذي كفاءة تنظيمية واضحة، وهو ما يتجسد – بحسب المصادر – في العقيد محمود حمزة.

وتشير تسريبات استخباراتية إلى أن حمزة بات يُلقّب في بعض دوائر التحليل الغربي بـ”جولاتي ليبيا”، في إشارة إلى الجنرال الإيطالي ماريو جولاتي، الذي أدار مستعمرات إيطاليا بحزمٍ وكفاءة خلال ثلاثينات القرن الماضي. وتشير التسمية إلى رغبة أمريكية بإعادة إنتاج نموذج قائد “فعال ومطيع”، يملك زمام المبادرة عسكريًا، وقادر على التفاوض سياسيًا، دون ارتباطات أيديولوجية أو تبعية إقليمية واضحة.

رهانات واشنطن بين فاغنر وتركيا

تأتي هذه التحركات الأمريكية في سياق رغبتها في الحدّ من النفوذ الروسي المتزايد في الشرق والجنوب الليبي، حيث تواصل قوات فاغنر تعزيز وجودها في قواعد حيوية مثل الجفرة وسرت، في حين تحتفظ تركيا بنفوذ كبير داخل طرابلس عبر دعمها السياسي واللوجستي لحكومة الوحدة الوطنية وبعض الكتائب المسلحة.

وفي ظل هذا التوازن الدقيق، يبدو أن اللواء 444 بقيادة حمزة هو الخيار الثالث، الذي تراه واشنطن قادرًا على كسر الاستقطاب الحالي، وفرض سلطة مركزية منضبطة، دون الغرق في الولاءات الإقليمية.

هل حمزة على أبواب دور سياسي؟

مع تصاعد الحديث عن انتخابات مؤجلة في ليبيا، تعود إلى الواجهة الأسئلة الكبرى حول دور القادة العسكريين في رسم مستقبل البلاد. فهل سيكون العقيد حمزة، كما تشير التوقعات، مرشحًا محتملًا لحقيبة وزارة الدفاع في أي حكومة وحدة وطنية قادمة؟ أم أن طموحه سيتجاوز الحدود العسكرية ليصل إلى أفق سياسي أوسع؟

حتى اللحظة، لا تصريحات علنية من حمزة تفيد بنيّته لعب دور سياسي مباشر، إلا أن موقعه الاستراتيجي، وعلاقاته الدولية الآخذة في التوسع، تجعله أحد أبرز الأسماء التي يُراهن عليها الغرب في المرحلة المقبلة من إعادة تشكيل ليبيا.

خاتمة

تكشف قصة العقيد محمود حمزة – من التأسيس المشترك لكتيبة الردع، إلى الاشتباك مع حلفاء الأمس، ثم التحول إلى رجل قوي تلتقي عنده الحسابات الدولية – عن وجه جديد من وجوه الصراع الليبي: صراع السيطرة لا على الأرض فقط، بل على مستقبل القرار السياسي والعسكري في البلاد.

وفي غياب تسوية وطنية شاملة، يبقى السؤال معلقًا: هل سيكون “حمزة” مشروع الاستقرار… أم شرارة اشتعال جديدة

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى