بينما العالم يصنع المستقبل… نحن نغرق في “التريند”

اللواء المهندس أحمد أمين زكي يكتب:

في وقتٍ يشهد فيه العالم قفزات غير مسبوقة في ميادين العلم والتكنولوجيا، تمتد من أعماق الجينوم البشري إلى تضاريس كوكب المريخ، لا يزال قطاع واسع من مجتمعاتنا العربية منهمكًا في نقاشات هامشية ومشاحنات سطحية، تتعلّق بطلاق فنانة، أو حجاب ممثلة، أو خلافات مفتعلة على منصات التواصل الاجتماعي.

فبينما يتصدر “ترند” طلاق الفنانة بوسي واجهات النقاش، وتدور مناظرات مطولة حول مشادة بين فنانتين، وتنتشر مقاطع سيدة تقرأ القرآن على شوربة لسان العصفور، وتنهمر الدعوات لإثبات حجاب هذه أو توبة تلك… هناك عالم موازٍ ينسج خيوط مستقبله بهدوء وعزيمة.

العالم يتحرك بثبات نحو الغد، بينما نحن نركض خلف فقاعات رقمية لا تُسمن ولا تُغني من وعي.

ثورة علمية تمضي… ونحن مشغولون بـ”زينة”

في الجانب الآخر من الكرة الأرضية، تُكتب فصول جديدة من تاريخ البشرية العلمي:

  • في ألمانيا: شركات مثل Cellink وPrellis Biologics تطور تقنيات الطباعة الحيوية ثلاثية الأبعاد، لطباعة أنسجة العظام والغضاريف، ما يفتح أبوابًا جديدة لعلاج إصابات الحبل الشوكي.
  • في أستراليا: ابتكار روبوت متقدم قادر على طباعة خلايا حية فوق الأنسجة التالفة بدقة عالية، مما يُبشّر بعلاجات ثورية لأمراض القلب وإصابات العمود الفقري.
  • في اليابان: تطوير دم صناعي وتحاليل متقدمة يمكنها كشف الإرهابيين بسرعة مذهلة.
  • في الولايات المتحدة: لقاحات ضد أنواع متعددة من السرطان، وعلاج جيني رائد لفقر الدم المنجلي (Lyfgenia) يغيّر خريطة الطب الوراثي.
  • في كوريا الجنوبية: تعاون علمي مع جامعة كيوتو اليابانية لإنتاج أدوية متطورة لعلاج السكري، تعد بإعادة تعريف المفاهيم الطبية السائدة.
  • في الصين: زرع شمس اصطناعية تصل حرارتها إلى أكثر من 100 مليون درجة مئوية، في خطوة تقرب البشرية من طاقة نظيفة لا حدود لها.
  • في الإمارات: إطلاق أكبر مؤسسة للذكاء الاصطناعي عالميًا بالتعاون مع فرنسا، وتأسيس مركز رائد للخلايا الجذعية في أبوظبي.
  • وفي الفضاء: ناسا تبث صورًا حية من جبل “شارب” على سطح المريخ، بينما دول أخرى تُطلق أقمارًا صناعية لأبحاث علمية متقدمة.

الفارق ليس تقنيًا فقط… بل حضاريًا

هذه الإنجازات ليست من نسج الخيال، بل وقائع حقيقية ترسم ملامح عالم جديد يتشكل أمام أعيننا، ويُقسّم الأمم إلى فئتين: من يصنع المعرفة… ومن يستهلكها.

في المقابل، ما زالت مساحات واسعة من خطابنا العام حبيسة الشخصنة، والتديّن المؤدلج، و”التريندات” العدمية التي تُبدّد الوقت وتُغيّب الوعي.

السؤال الجوهري: إلى متى؟

متى ندرك أن مستقبلنا لا يُصنع في استوديوهات البرامج الصفراء، ولا في تعليقات “اللايفات” الساخنة، بل في المعامل والمختبرات ومراكز الأبحاث؟

متى نوجّه اهتمامنا نحو تعليم منتج، وبحث علمي أصيل، واستثمار في الإنسان لا في صراعات الواجهة؟

لقد آن الأوان أن نغيّر بوصلتنا… من تتبّع الفضائح، إلى صناعة الحضارة.

من اللهث خلف “التريند”، إلى اللحاق بركب العلم والمعرفة.

فالعالم لا ينتظر المتأخرين.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى