ترامب يحتفل باليوم العالمي للأقباط ويوجه أول تحية غير مباشرة للرئيس السيسي

بقلم – صموئيل العشاي
في خضم عالم يزداد اضطرابًا، وفي توقيت بالغ الحساسية إقليميًا ودوليًا، جاءت رسالة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمناسبة اليوم العالمي للأقباط، حاملةً بين سطورها ما هو أعمق من التهاني الدينية. فقد بدت الرسالة – بكل وضوح – كوثيقة دعم سياسي للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وتأكيدًا على متانة العلاقات بين القاهرة وواشنطن، خاصة بعد عودة ترامب إلى البيت الأبيض في ولايته الثانية.
فماذا تقول الرسالة فعلًا؟ ولماذا نقرأها اليوم بوصفها رسالة دعم صريحة للقيادة المصرية؟
أولًا: الكنيسة القبطية عنوان لوحدة وطنية ترعاها الدولة المصرية
ترامب حينما تحدث عن الكنيسة القبطية لم يتعامل معها ككيان ديني مجرد، بل تحدث عن حضورها التاريخي الكبير في مصر، ودورها في حفظ الإيمان. وهذه الإشادة، وإن بدت موجهة للكنيسة، إلا أنها في الحقيقة تعبّر عن فهم أمريكي للدور الذي تقوم به الدولة المصرية في صيانة هذا المكوّن الوطني، وضمان حريته وكرامته.
فلا يمكن للكنيسة أن تؤدي دورها بحرية، ولا أن تبني أديرتها وتفتتح كنائسها إلا في مناخ من الاستقرار السياسي والمجتمعي الذي ترعاه الدولة، وهذا ما أشار إليه ترامب دون أن يسمّي السيسي، بل جعل حضوره السياسي مفترضًا ضمن سياق الاستقرار المصري.
ثانيًا: ترامب يختار اللحظة المناسبة للثناء على تجربة مصر في التعايش
اختار ترامب إصدار رسالته في توقيت تشهد فيه المنطقة موجات من العنف الطائفي والانقسام الديني، خاصة في بعض الدول التي انهارت فيها مؤسسات الدولة. وبالمقابل، يسلّط الضوء على نموذج التعايش الديني في مصر، حيث تقف الدولة على مسافة واحدة من جميع مواطنيها، وتمنح الحق في العبادة للجميع.
هذا التلميح لا يمكن فصله عن السياسات التي ينتهجها الرئيس عبدالفتاح السيسي منذ 2014، في دعم التعددية الدينية، وترميم الكنائس، وإصدار قوانين لبناء دور العبادة بشكل منصف، وهي خطوات طالما حظيت بتقدير محلي ودولي.
ثالثًا: ترامب يشيد بالموقف المصري من الإرهاب
حين أشار ترامب إلى حادثة ذبح 21 قبطيًا في ليبيا عام 2015، لم يكتف بالتنديد، بل قدّمها كرمز للصمود في وجه الإرهاب. وهي الحادثة ذاتها التي واجهها الرئيس السيسي في حينها برد فعل حاسم، حيث شنّت القوات المسلحة ضربات جوية مركزة ضد معاقل داعش في درنة، في رسالة واضحة أن الدولة المصرية لا تتهاون في دماء مواطنيها، أقباطًا كانوا أو مسلمين.
وهنا، يصبح حديث ترامب عن الإرهاب، وكأنه رسالة شكر غير معلنة للرئيس السيسي، الذي قدّم نموذجًا فاعلًا في محاربة التطرف، بعيدًا عن الشعارات، وبأدوات الدولة ومؤسساتها.
رابعًا: إشادة بدور الرئيس السيسي في حماية السلام المجتمعي
رسالة ترامب قدّمت الكنيسة القبطية بوصفها رمزًا للسلام والاعتدال، وهي مفردات تُفهم في القاموس السياسي الأمريكي كدعم ضمني للنظام المصري بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي ، الذي يحفظ أمن اصحاب الاديان المختلفه، ويحميهم من الجماعات المتطرفة.
وبالتالي، فإن هذه الإشادة لا تنفصل عن ثناء متكرر، صدر في سنوات سابقة من الرئيس ترامب ومن شخصيات أمريكية نافذة على سياسة مصر في “تحقيق التوازن المجتمعي”، وهو توازن لا يمكن عزله عن الدور القيادي للرئيس عبدالفتاح السيسي، الذي رفع شعار “الدولة الوطنية المدنية” منذ توليه الحكم.
خامسًا: ترامب يُعيد تعريف التحالف مع مصر من بوابة القيم
من خلال إبراز الكنيسة القبطية، وتسليط الضوء على الحريات الدينية، يُعيد ترامب رسم ملامح التحالف المصري–الأمريكي، ليس فقط على أساس المصالح الأمنية أو الاقتصادية، بل على أساس القيم المشتركة في محاربة الإرهاب، واحترام التنوع، وبناء مجتمعات مستقرة.
وهذه لغة يفهمها السيسي جيدًا، بوصفه قائدًا يؤمن بأن مصر الجديدة لا تبنى فقط بالسلاح أو الاقتصاد، بل بالعدالة والمساواة في الحقوق والواجبات، وهي الرسالة التي طالما حملها في خطاباته المحلية والدولية.
سادسًا: ترامب يغازل الأقباط… لكنه يبعث برسالة أوسع إلى القاهرة
صحيح أن الرسالة موجهة إلى الأقباط في العالم، لكنها في العمق رسالة موجهة إلى القيادة المصرية، تعترف ضمنيًا بأن النموذج المصري في التعدد الديني يستحق الاحترام، وأن السيسي نجح في تحييد ورقة الأقليات التي طالما استغلتها قوى خارجية لتشويه صورة مصر.
وبالتالي، فإن إشادة ترامب بالكنيسة القبطية ليست منفصلة عن إدراكه بأن الرئيس المصري هو من مكّن هذا المناخ من الوجود، عبر إصلاحات قانونية وسياسية عزّزت مكانة المواطنة.
الرئيس السيسي حاضر… ولو لم يُذكر اسمه
رغم أن اسم الرئيس عبدالفتاح السيسي لم يرد صراحة في رسالة ترامب، إلا أن روحه حاضرة في كل سطر، من الثناء على الكنيسة، إلى التنديد بالإرهاب، إلى الإشادة بالتعايش، إلى احترام الحقوق الدينية. إنها رسالة دعم غير معلن، بل ووثيقة اعتراف بدور مصر الجديد في إدارة التنوع داخل مجتمعها.
وفي ظل تصاعد الاستقطاب في كثير من دول المنطقة، تبقى مصر بقيادة السيسي واحة للاستقرار والعيش المشترك، وركيزة أساسية في أي تحالف إقليمي يحترم القيم والإنسان