حمدي رزق يكتب: أربعة ملايين فتوى في عام مضى؟!

قانون “تنظيم الفتوى الشرعية”، الذي ينتظر تصديق رئيس الجمهورية، يحد من الفتوى العشوائية الصادرة من خارج المؤسسة الدينية الرسمية (الأزهر، ودار الإفتاء، ووزارة الأوقاف)، وهذا أمر جيد وحسن، رغم بعض الملاحظات على مسودة القانون، إلا أنه قانون له وجاهته الدينية والمجتمعية كما يصفون.

صدقًا، لا ينقصنا فتاوى، لدينا فائض فتوى، ومؤسسات الفتوى الرسمية تعمل بكامل طاقتها في إنتاج الفتاوى، ومحصول الفتوى لا تقل غلّته، بل يزيد بمرور الأعوام.

على سبيل المثال لا الحصر، “مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية” أصدر خلال عام 2024، وهو عام مضى، نحو (1,961,711) فتوى هاتفية ونصية وميدانية وبحثية وإعلامية وعلى وسائل التواصل، تتعلق بكل ما يهم الناس في حياتهم اليومية، وفي كل فروع الفقه من عبادات، ومعاملات، وأحوال شخصية، وقضايا الفكر والأديان، وما يعرض للجمهور من شبهات. إنه فيض من الفتاوى يتناول شؤون الدين والدنيا.

جهدٌ فتوى مشكور، وإذا أضفنا إلى هذا الحصاد نحو (1,600,000) فتوى اضطلعت بالرد عليها دار الإفتاء، تبرهن الأرقام أن مؤسسات الفتوى تعمل بكامل طاقتها الإنتاجية.

هذه الأرقام تشير إلى ارتفاع منسوب الثقة في المؤسسة الدينية الرسمية، واجتذاب المؤسسة لقطاعات شعبية كانت تلتجئ في طلب الفتوى إلى مفتين من خارج المؤسسة، ممن لا يؤتمن جانبهم، خصوصًا من الإخوان والسلفيين. فضلًا عن شيوع الفتاوى الإلكترونية التي كانت فيما مضى مصدرًا رئيسًا للفتوى دون تمحيص وتدقيق في مصادرها الفقهية.

اللافت هو ارتفاع معدلات استهلاك الفتوى بين العامة؛ نحو أربعة ملايين طلب فتوى في عام مضى! والسؤال: ما الذي يقلق راحة المصريين إلى هذا الحد من طلب الفتوى بهذه الكثافة؟ معدلات طلب الفتوى في زيادة مستمرة، فقد زادت هذا العام بنحو 200 ألف فتوى في دار الإفتاء مقارنة بالعام الماضي!

هل هي مستجدات الحياة وتعقيداتها التي تولد إشكاليات حياتية تتطلب فتوى من الشيوخ الثقاة؟

هل تُفسَّر على أنها نوبة تدين عميقة في شعب “متدين بطبعه” كما يقال، أم تُفسَّر على أنها عارض ديني ألمّ بالمجتمع، يستوجب تصحيحًا دينيًّا تؤشر عليه وتيرة طلب الفتوى المتصاعدة، التي تمسّ كل مناحي الحياة؟

يخشى بعض التنويريين من “تديين الفضاء العام”، ومع زخات الفتاوى التي تهطل على وسائل التواصل الاجتماعي، باتت الفتوى تتحكم في الذهنية العامة، وصار سؤال الحرام والحلال من المقررات اليومية، صباحًا ومساء، بل حتى في برامج السهرة، لا تخلو من طلب الفتوى حتى في سفاسف الأمور الحياتية!

الإلحاح على طلب الفتوى بهذه الكثافة، التي تؤكدها الأرقام الصادرة عن مركز الأزهر ودار الإفتاء، فضلًا عن مفتين من وزارة الأوقاف، يحتاج إلى دراسة علمية مجتمعية معمقة، تطرح السؤال:

ماذا حدث للمصريين إلى حد طلب الفتوى بهذه الكثافة؟

هل طلب الفتوى ميل ديني غريزي؟ أم هو حادث عارض في حياة المصريين؟

ومتى تتراجع موجة التدين الظاهري لصالح التدين الحقيقي الذي درج عليه المصريون؟

مثل هذه الظواهر المجتمعية تحتاج إلى مراجعات علمية بحثية أكاديمية، وليت المركز ودار الإفتاء ووزارة الأوقاف يعكفون، بالتعاون مع مراكز البحث الاجتماعي والنفسي، على دراسة حصاد الفتوى، وتفريده، وتبويبه، والإحاطة بالمستجد منه. فمعلوم أن الفتوى تختلف بحسب أحوال البلد، وظروفه، واصطلاحاته، وأعرافه.

اظهر المزيد

تعليق واحد

  1. أولا أجمل التهاني والتبريكات بمناسبة عيد الأضحى المبارك

    وثانيا لي تعقيب بسيط.

    انتشار هذه الظاهرة التي تفشت في مصر تعكس ضياع دور الأسرة في تنشئة الأطفال علي تقاليد وأعراف المجتمع. ومع انحسار كلمة “عيب، اختشي، ايه اللي انت بتعمله دة؟”.

    لأن العرف المصري في مجمله هو مجموع التدين السلوكي لدي الشعب. هذا الموروث الذي تواري وراء شاشات تصب في وجدان الناس مئات الآلاف ، بل مليارات الأشكال من نشر زيف ديني مغاير للأديان.

    وعلي سبيل المثال منذ العقد الأول من الألفية الثالثة انتشرت علي الفيسبوك دعاوي تحريم تهنئة الأقباط!

    من أين جاءت؟ بل من الخبيث الذي ينشر تلك الخزعبلات؟

    بل بتعبير أدق من هو جهاز المخابرات الذي يريد إفساد الوعي الجمعي لدي المصريين؟

    لم يلتفت خبراء وعلماء الإجتماع والسلوك إلي الظواهر والأفكار التي تتسلل إلي وعي الشعب منذ الطفولة المبكرة.

    لابد من إعادة الإنتباه إلي محاولة محو الهوية المصرية الوطنية وتحويل عقول الناس الي عقول مسخ مقفرة. هذا الطوفان الذي يغزو العقول والحواس بكل الأشكال.

    فيدخل في أشكال كوميدية تظهر علي أنها مجرد دعابة ولكنها تؤسس وتؤطر لفكرة سوف يتم تأكيد معناها بوسائل وحواس أخري.

    هذه الفتاوي وكثرتها تؤكد حالة توهان العقل، الذي يخالف الوعي والفهم.

    أما عن الأديان فمن لايعرف الحلال والحرام ؟

    أتذكر مقولة للمخرج العالمي يوسف شاهين حين سئل عن ذلك كان رده بسيط ومقنع”القطة اللي عندي عارفة الحلال والحرام”

    الدين بسيط يتفق وكافة العقول والأفكار لأنه يخاطب القلب، أما الفكر المزيف فهو لايخاطب القلب، بل يتلاعب بالفكر.

    لذلك تري الناس حياري بين بساطة الدين المعلوم والمدرك بالقلب، وبين التشويش العقلي الذي يخالف القلب.

    ستظل تلك التساؤلات والفتاوي مادام هذا الخلط والتشويش العقلي سائدا.

    متي يتوقف هذا الخلط، حين تتوقف تلك الشاشات عن بث موجات تشويش العقل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى