المعركة الانتخابية في نقابة الصحفيين: صراع الأسماء وصمتٌ عن قضايا المهنة

مع دخول انتخابات التجديد النصفي لنقابة الصحفيين شهرها الثالث، وبعد انقضاء شهري فبراير ومارس، تستمر المعركة الانتخابية بشكل غير مسبوق، حيث تُعد هذه الدورة من أطول الفترات التي شهدتها النقابة في الاستحقاقات الانتخابية. وبينما كانت التوقعات تشير إلى أن هذه الفترة الطويلة ستفسح المجال لنقاشات أعمق حول قضايا المهنة، إلا أن الواقع أظهر خلاف ذلك، حيث طغت الحسابات الشخصية والتحالفات التقليدية على المشهد، بينما بقيت هموم الصحفيين وأزماتهم الحقيقية على الهامش.

تشهد الانتخابات منافسة حادة بين المرشحين، إذ يسعى كل طرف لتعزيز موقفه من خلال الوعود الانتخابية والتربيطات داخل الجمعية العمومية. ومع ذلك، فإن المراقبين يرون أن الحملات الانتخابية ركزت بشكل أساسي على الجوانب الشخصية والمصالح الفئوية أكثر من تناولها للقضايا الحيوية التي تمس واقع الصحفيين.

سباق فوق السن: هيمنة الأسماء الكبيرة وغياب الصحفيات

في الفئة المخصصة للمرشحين فوق السن، تبرز مجموعة من الأسماء القوية التي تمتلك تاريخًا مهنيًا حافلًا وخبرة نقابية تمتد لسنوات. ويتصدر السباق محمد شبانة، الذي تمكن من تحقيق تقدم ملحوظ ليحتل المركز الأول، مستفيدًا من شبكة علاقاته الواسعة داخل الوسط الصحفي. يليه حسين الزناتي، ثم محمد سعد عبد الحفيظ، فيما يحل عمرو بدر في المرتبة الرابعة، في مشهد يعكس توازنًا بين المرشحين ذوي الخلفيات المتنوعة من حيث التوجهات النقابية والمهنية.

ورغم أن الانتخابات تشهد حضورًا قويًا لعدد من الأسماء البارزة، إلا أن اللافت في هذه المعركة هو الغياب الواضح للزميلات الصحفيات، حيث لم تبرز أي مرشحة بقوة ضمن هذه الفئة، وهو ما يطرح تساؤلات حول مدى قدرة العنصر النسائي على المنافسة في العمل النقابي. فهل تعود أسباب هذا الغياب إلى عزوف الصحفيات عن الترشح نتيجة التحديات المهنية والاجتماعية التي تواجههن؟ أم أن هناك معوقات أخرى تحول دون وصول المرأة إلى مواقع صنع القرار داخل النقابة؟

معركة تحت السن: وجوه جديدة وطموح شبابي يتحدى التقاليد

أما في فئة تحت السن، فيبدو المشهد مختلفًا بعض الشيء، حيث يبرز الصراع بين مجموعة من الوجوه الجديدة التي تحمل طموحًا للتغيير، وسط منافسة محتدمة بين أصحاب التوجهات المختلفة. ويتصدر أيمن عبد المجيد السباق، يليه محمد الشاذلي، فيما تحظى إيمان عوف بتأييد واسع من قطاعات مختلفة داخل الجمعية العمومية، نظرًا لخطابها الذي يركز على دعم حرية الصحافة والدفاع عن حقوق الصحفيين.

في الوقت ذاته، تتساوى فرص فيولا فهمي مع شيرين العقاد، حيث استطاعت الأخيرة كسب تعاطف الجمعية العمومية من خلال خطابها الذي يركز على ضرورة تحسين أوضاع الصحفيين، مما يمنحها دفعة قوية في المنافسة.

ومن بين الأسماء البارزة أيضًا، تتقدم دعاء العدل، التي تحاول تعزيز مكانتها من خلال التركيز على قضايا الشباب داخل النقابة، فيما تأتي شهناز عزام في مرتبة متقدمة، حيث تحظى بتقدير واسع نظرًا للخدمات التي تقدمها للصحفيين، والتي لاقت قبولًا كبيرًا بين أعضاء الجمعية العمومية، مما يعزز من فرصها في الانتخابات.

قضايا المهنة.. الغائب الأكبر عن المشهد الانتخابي

ورغم احتدام المنافسة بين المرشحين وتقارب فرص البعض منهم، إلا أن الملاحظ في هذه الانتخابات هو غياب الطرح الجاد لقضايا المهنة التي تمثل جوهر العمل النقابي. إذ لم تركز الحملات الانتخابية بشكل كافٍ على الملفات الحيوية التي تشغل بال الصحفيين، مثل حرية الصحافة، أوضاع المؤسسات الصحفية، تحسين الأوضاع المالية للصحفيين، وضمان بيئة عمل آمنة ومستقرة.

ففي الوقت الذي يتطلع فيه الصحفيون إلى حلول جذرية لمشاكلهم المتراكمة، تدور المعركة الانتخابية في إطار التربيطات التقليدية والتحالفات الشخصية، بينما تظل هموم الصحفيين الحقيقية غائبة عن أجندة المرشحين. فالأوضاع الاقتصادية المتدهورة، وقضايا التأمينات والمعاشات، وغياب الدعم المالي للمؤسسات الصحفية، كلها مشكلات ملحّة تستدعي طرحًا جادًا، إلا أنها لم تلق الاهتمام الكافي في الحملات الانتخابية.

كما أن مسألة استقلالية الصحافة، وضمان عدم تعرض الصحفيين للملاحقات أو القيود خلال تأدية عملهم، لم تكن ضمن الأولويات المطروحة من قبل معظم المرشحين، وهو ما يثير قلق العديد من أعضاء الجمعية العمومية الذين كانوا يأملون في أن تكون هذه الانتخابات فرصة لتغيير الواقع الصحفي في مصر.

ختامًا: هل تنقلب المعادلة في اللحظات الأخيرة؟

مع اقتراب موعد الحسم، يبقى السؤال الأهم: هل يغير المرشحون استراتيجياتهم في الأيام المقبلة ويطرحون برامج حقيقية تلامس هموم الصحفيين، أم ستظل الانتخابات تدور في فلك الأسماء والتحالفات دون رؤية واضحة؟

الجمعية العمومية أمام اختبار صعب؛ فإما أن تختار من يعبر عن طموحاتها ويدافع عن حقوق الصحفيين، أو تبقى النقابة في دوامة من الصراعات الشخصية والتربيطات التقليدية التي لا تخدم مستقبل المهنة. الأيام المقبلة وحدها ستكشف عن اتجاهات التصويت، وما إذا كان الصحفيون سيمنحون أصواتهم لمن يحمل رؤية حقيقية، أم أن النمط التقليدي للانتخابات سيستمر كما كان في الدورات السابقة.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى