فلسفة أحمديات

بقلم – اللواء مهندس أحمد امين زكى:
منذ اللحظة الأولى لبدء الخلق، تدور الدنيا في فلكٍ عظيم، نسبح فيه جميعًا، دون أن ندرك تمامًا أسرار هذا الكون المبهر. وبرغم التقدّم الهائل في العلوم، لا نزال نكتشف، يومًا بعد يوم، أن ما نعلمه لا يُقارن بما نجهله. وهذا الجهل المعرفي، في جوهره، دليل ساطع لا يترك مجالاً للشك بأن الخلق بيد مالك، لا ملك.
ورغم غياب الأنبياء والمعجزات في عصرنا، فإن المؤشرات العلمية الحديثة على وجود الخالق أصبحت، في رأيي، أبلغ وأقوى من معجزات السابقين. فقد كانت المعجزات في العصور القديمة تُبهر الناس بلا منازع، نظرًا لغياب أدوات القياس والعلم، فلم يكن أمام الناس سوى التصديق دون برهان علمي أو مقارنة عقلية.
أما اليوم، في عصر التكنولوجيا والفضاء والذكاء الاصطناعي، نجد أن العلماء رغم تقدمهم المذهل، يقفون عاجزين عن تفسير بعض الظواهر. إنهم يدركون، بكل تواضع علمي، أن هناك أسرارًا لم ولن يُسبر غورها لأنها ببساطة من صنع الخالق، لا البشر.
قال تعالى:
﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾
— سورة فاطر، الآية 28
وخير مثال على ذلك، تطور علم زراعة الأعضاء في جسم الإنسان. فقد مكّنت هذه التقنيات آلاف المرضى من استعادة حياتهم بعدما كانت أمراضهم تُفضي إلى الموت. وكذلك ظهور الروبوتات المتطورة، المبرمجة بذكاءٍ صناعي يجعلها تتفاعل مع أوامر صانعها، لكنها – مهما بلغت من كفاءة – لا تملك الروح.
وهنا نتوقف لنسأل:
هل استطاع الإنسان أن يخلق الروح؟
الجواب واضح: لا، ولم ولن يستطيع. فهذه القدرة من اختصاص الخالق وحده.
إننا نعيش في عالم يعجّ بالأسرار والمعجزات، ومع كل هذا، لم يتركنا الله عز وجل في حيرة. بل أنزل علينا دستورًا إلهيًا منذ الأزل، قبل أن يصوغ البشر دساتيرهم الأرضية، ألا وهو: القرآن الكريم.
هذا الكتاب العظيم هو مرجع الحياة، وقانونها المنظّم، وفيه شرّع الله القوانين والتعليمات التي تهدي البشرية إلى الصواب. وأرسل إلينا الأنبياء ليشرحوا هذا الدستور ويبيّنوا تفاصيله، فجاءت رسالاتهم المختلفة، وتعددت أديانهم، لكنها جميعًا اجتمعت على هدف واحد: الهداية إلى الخالق، وفهم الحياة بمنظورها السماوي.
وحين ينحرف الإنسان عن تعاليم هذا الدستور الإلهي، ويلوذ بتشريعات البشر فقط، تحدث الحيرة والاضطرابات، ويشيع الخلل في الأرض، وتظهر الصراعات بين الخير والشر، والكره والحب، وتتشظى ألوان الحياة.
لهذا، يجب على مشرّعي الأرض، إن أرادوا العدالة والمساواة، أن يستمدوا قوانينهم من شرائع السماء. فحين يكون مصدر التشريع هو الله، تتسق الأحكام، وتزدهر الحياة، وتسود قيم العدل والمساواة والحق.
لكن البشرية، بطبيعتها وغرائزها، تميل أحيانًا إلى التسلط والتملك، فتخرج عن خط الدستور الإلهي، وتصنع أفكارًا ومذاهب تنتمي للهوى لا للهدى. فينشق الناس إلى جماعات وطوائف، وتبرز العصبيات، ويزداد الاختلاف حتى داخل الدين الواحد، نتيجةً لتضخيم الذات وتقديس الفكر البشري الناقص.
ويثير العجب أن الكثيرين ينساقون وراء تلك الأفكار المصطنعة لأنها تُرضي غرائزهم، وتتماشى مع أهوائهم، دون وعي بأنهم يُكرّسون للفرقة والانقسام، لا للوحدة والسلام.
ومع كل ذلك، تبقى الحقيقة الأزلية:
أن الإنسان مخلوق لخالقٍ عظيم، والاختلاف جزء من حكمة الخلق، وليس مدعاة للفرقة أو التعصب.
قال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾
— الحجرات، الآية 13
لقد ترك لنا رسول الله ﷺ وصية لا تُنسى، حين قال:
“تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدًا، كتاب الله وسنتي.”
صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما أعظم هذا الإرث

فعلا كلام منطقي ورائع