القس أندريه زكي يكتب بضمير وطن: 30 يونيو إرادة شعب لا تنكسر

بقلم صموئيل العشاي:

في لحظة وعي وطني خالصة، وبخطاب يستلهم من التاريخ دروسه ومن الحاضر تحدياته، جاءت كلمة الدكتور القس أندريه زكي، رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر، بمناسبة الذكرى الثانية عشرة لثورة الثلاثين من يونيو، لتكون أكثر من مجرد تهنئة رسمية؛ إنها رسالة وطنية مشبعة بالمعاني، تفيض بالولاء، وتستحضر الروح المصرية في أبهى تجلياتها.

كلمة تحمل في طياتها موقفًا سياسيًا واضحًا، وإحساسًا أصيلًا بالانتماء، ورؤية مسيحية وطنية تُدرك حجم اللحظة وتستلهم مسؤوليتها، حيث وصف القس أندريه هذا اليوم المجيد بأنه “محطة فارقة في تاريخ الوطن”، وهو توصيف دقيق يُلخّص أهمية هذه اللحظة التي أعادت ضبط بوصلة الدولة، بعد أن كادت تنحرف عن مسارها الحضاري والإنساني.

الثلاثون من يونيو: حين قال الشعب كلمته

الكلمة جاءت لتؤكد أن ثورة 30 يونيو لم تكن محض حراك شعبي عابر، بل كانت إعلانًا شعبيًا جديدًا للجمهورية، وميلادًا وطنيًا جديدًا لإرادة المصريين. القس أندريه لم يتحدّث بلغة رجال الدين، بل بلغة أبناء الوطن، حين قال إن الشعب “وقف صفًا واحدًا خلف قواته المسلحة الباسلة”، وهي إشارة بليغة إلى اللحظة التي تماهى فيها صوت الشعب مع صدى البندقية، وتوحد فيها القرار المدني مع الضمانة العسكرية، في مشهدٍ نادر التكرار في التاريخ.

وقد أحسن القس توصيف المشهد حين تحدث عن أن الثورة كانت دفاعًا عن “هوية الدولة المصرية”، تلك الهوية التي كادت أن تتآكل بفعل خطاب ظلامي أراد أن يعيد البلاد إلى عصور ما قبل الدولة، فأبت مصر إلا أن تختار النور.

دعم صريح للرئيس والمشروع الوطني

برقيته إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي، التي قدّمها باسم الكنيسة ورؤساء المذاهب الإنجيلية وهيئة الأوقاف، لم تكن مجرّد مجاملة بروتوكولية؛ بل حملت مضمونًا سياسيًا واضحًا. عندما يقول القس زكي: “نجدد دعمنا لكل خطوات البناء والتنمية”، فإنه لا يُلقي بكلمات عابرة، بل يعلن بوضوح أن الكنيسة الإنجيلية تقف في قلب المشروع الوطني، تبارك خطواته وتساهم فيه وتدافع عنه.

ولعلّها من المرات النادرة التي نقرأ فيها خطابًا كنسيًا يصف الإنجازات بأنها “ملموسة في شتى المجالات”، دون تحفّظ أو موازنات خطابية. هذا الاعتراف الصريح يضع الكنيسة الإنجيلية في خانة الشريك لا المتفرّج، في معسكر البناء لا التردد.

روح وطنية جامعة

ما يميّز كلمة الدكتور القس أندريه أنها لم تُعبّر فقط عن مشاعر الطائفة الإنجيلية، بل عبّرت عن نبض الوطن كله، دون تمييز بين مسلم ومسيحي، أو مدني وديني. إنها كلمة تقول إن مصر وطن للجميع، وإن الدفاع عنها شرف لا يُقابله شرف، وإن الإنجيل حين يُقرأ في مصر، فإنه يُقرأ بلغتها وتاريخها وروحها العريقة.

لقد اختار القس أندريه ألا يتحدث عن قضايا داخلية أو مطالب فئوية، بل تحدّث باسم مصر، بكل ما تحمله من تاريخ وثقل حضاري، وتحدّث باسم الكنيسة الوطنية التي لم تتخلّ يومًا عن دورها في دعم الدولة، لا في السراء فقط، بل في لحظات التحدي والمخاض.

ختام يحمل دعاءً ووصية

وفي ختام كلمته، حين قال: “كل عام ومصر بخير، في سلام وأمان وتقدّم”، لم تكن مجرد عبارة ختامية معتادة، بل كانت أقرب إلى وصية روحية ووجدانية، تقول للمصريين جميعًا: إن أعظم ما نملكه هو وحدتنا، وإن أعظم ما نحميه هو وطننا، وإن السلام ليس غياب الحرب فقط، بل حضور العدل والاستقرار والتسامح والعمل المشترك.

خاتمة: صوت العقل في زمن الصخب

كلمة القس أندريه زكي بمناسبة 30 يونيو ليست فقط تحية لرئيس الجمهورية أو رسالة تقدير للجيش، بل هي نص وطني متكامل، يجمع بين العقلانية والالتزام، بين الوطنية والوعي بالتاريخ، ويُجسّد صورة مصر كما يجب أن تكون: دولة مدنية قوية، يتوحد فيها الشعب حول مشروع وطني واضح، وتحميها مؤسسات راسخة، ويُباركها رجال دين عقلاء، يفهمون أن الأوطان لا تُبنى بالشعارات، بل بالمواقف.

وفي زمنٍ كثرت فيه الأصوات المتشنّجة، فإن كلمات القس أندريه جاءت صوتًا هادئًا وعميقًا.. صوت عقلٍ يحب مصر، ويؤمن بها

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى