رفعت فياض يكتب: “عايز طب بـ52% بعد النجاح في الدور الثاني!”

كانت صدمتي شديدة عندما اتصل بي أحد الأصدقاء من الإعلاميين المثقفين أول أمس، ليطلب مني طلبًا أغرب من الخيال. حدّثني عن ابنة أحد معارفه، يقول — كما أخبره والدها — إنها كانت متفوقة طوال عمرها، لكنها حصلت في امتحان الثانوية العامة هذا العام على 52% فقط، بل إنها راسبة حاليًا في مادتين، وستؤدي امتحاناتهما في الدور الثاني.
وبالطبع، مهما حصلت فيهما من درجات — إذا نجحت — فلن ترتفع نسبة نجاحها كثيرًا عن الـ52%، لأن طلاب الدور الثاني، كما هو متبع، لا يحصلون إلا على 50% من درجة المادة مهما كانت إجابتهم.
وأضاف صديقي أن الطالبة تقدمت بتظلم في عدة مواد، لعلها تجد درجةً ما هنا أو هناك. ثم فاجأني بأن هذه الطالبة ووالدها يريدان لها أن تلتحق بكلية طب! نعم، كلية طب! وسألني صديقي، بعفوية: “هو مافيش استثناء ممكن يخليها تدخل طب؟ أبوها مقتدر جدًا ومش هتفرق معاه أي مصاريف، في أي جامعة، داخل مصر أو خارجها!”
تذكّرت وقتها ما نشرته السبت الماضي في هذا المكان، تحت عنوان: “نصيحة لكل الناجحين”، ووجّهت فيه كلامي إلى جميع الطلاب، خصوصًا أصحاب المجاميع العالية، أن يسجلوا رغباتهم في مكتب التنسيق وفقًا لقدراتهم الأكاديمية، لا لرغبات الأهل أو تدخلاتهم، إن كانوا يرغبون في إلزام الطالب بتخصص لا يرغب فيه.
لكنني لم أتصور أن يصل الأمر بوليّ أمر أو طالب حاصل على 52%، وراسب في مادتين — وربما يرسب فيهما أيضًا — أن يفكر أصلًا في كلية طب، بل ويطلب استثناءً!
أي عقلية هذه؟!
ليس معنى أن مجلس الجامعات الخاصة قرر العام الماضي خفض الحد الأدنى للالتحاق بكليات الطب البشري في الجامعات الخاصة والأهلية إلى 79%، وبجامعات سيناء الخاصة بفرعيها، والإسماعيلية الجديدة الأهلية، وجامعة الملك سلمان إلى 74%، أن نفتح الباب على مصراعيه لكل من حصل على مجموع ضعيف، بدعوى تشجيع الطلاب أو الرغبة في دراسة الطب.
لقد خُفضت النسب لتشجيع من لم يحالفهم الحظ في دخول الجامعات الحكومية، وبدلًا من السفر للخارج والتعرض لمخاطر الغربة والتعليم الرديء وإنفاق الملايين من العملة الصعبة في جامعات أقل كثيرًا من مستوى الجامعات المصرية، ومن ثم ضياع الطالب في الحياة الأوروبية، جاءت هذه الجامعات كبديل آمن ومحترم.
وحدث الأمر نفسه مع بقية كليات الجامعات الخاصة والأهلية، حيث خُفّض الحد الأدنى إلى 75% لكليات المجموعة الأولى، و73% لكليات المجموعة الثانية.
لكن ليس من المنطقي أن يفكر طالب حاصل على 52% في دخول كلية طب، حتى ولو كان ولي أمره يملك مال قارون!
العملية التعليمية ليست وسيلة للوجاهة الاجتماعية. هذه الثقافة المجتمعية السطحية يجب أن تتغير، والهوس بكليات الطب والهندسة لا يجب أن يستمر. التعليم الجامعي الجيد لا يقتصر على ما يسمّى بـ”كليات القمة”، فهناك تخصصات تطبيقية مطلوبة في سوق العمل أكثر من الطب والهندسة: مثل الحاسبات، والبرمجة، والذكاء الاصطناعي، والاتصالات، وغيرها.
كما لا يمكنني تخيّل أن طالبًا حصل على 52% في الثانوية العامة قادر على استيعاب مقررات الطب المعقدة والصعبة. ولو كان مميزًا، لما حصل على هذا المجموع أصلًا. المسألة ليست رغبة شخصية، ولا قدرة مالية، بل قدرة على الفهم والاستيعاب، وتميّز في التحصيل، تؤهّله لممارسة مهنة خطيرة كالتطبيب، بلا أخطاء قاتلة.
ولكي لا أدخل في جدال عقيم مع صديقي أو هذه الطالبة وأسرتها، قلت له بهدوء: “ابحث عن فروع الجامعات الأجنبية في العاصمة الإدارية أو القاهرة. فهذه الجامعات تعتمد معايير قبول مختلفة، لا تعتمد على مجموع الثانوية فقط، بل على معايير القبول المطبقة في جامعاتهم الأم بأوروبا وكندا وروسيا وغيرها. لعلها تنجح هناك، ولا ينظرون كثيرًا إلى مجموعها”.
ثم دعوت له بالتوفيق…
وعجبـــي