صموئيل العشاي يكتب: جنون حماس

في الوقت الذي تبذل فيه مصر جهدًا كبيرًا لإعادة الأمل في مسار القضية الفلسطينية، تظهر بعض التصرفات من حركة حماس لتُفسد هذه الجهود، وكأنها لا تدرك حجم الضرر الذي تسببه لقضية يفترض أنها تمثلها.

منذ فترة قصيرة، أعلنت فرنسا أنها ستعترف رسميًا بالدولة الفلسطينية خلال اجتماعات الأمم المتحدة في سبتمبر المقبل. هذا الإعلان كان خطوة مهمة جدًا، خاصة وأنه جاء بعد سنوات طويلة من التردد الأوروبي. مصر رحّبت بهذا القرار بحذر، لأنها تعرف أن مثل هذه الخطوات يمكن أن تعيد القضية الفلسطينية إلى دائرة الاهتمام العالمي، وتفتح الباب أمام حل الدولتين.

لكن بدل أن تدعم حماس هذه الخطوة، أو على الأقل تلتزم الصمت، فاجأت الجميع بنشر فيديو صادم لأسير إسرائيلي داخل أحد أنفاق غزة، يُجبر فيه على حفر قبره بيديه، وهو في حالة تعب وانهيار تام. في الفيديو، يقول الشاب بصوت متهدّج: “أنا أحفر قبري”. مشهد قاسٍ لا يمكن تبريره، أظهر حماس وكأنها تحتفل بالوحشية، لا بالمقاومة.

هذا الفيديو نُشر في توقيت حساس، كان يمكن أن يتحول فيه التعاطف الدولي إلى خطوات فعلية لدعم الحقوق الفلسطينية. لكن ما حدث هو العكس، فقد أثار الفيديو غضبًا واسعًا في أوروبا وأمريكا، وسارع وزير الخارجية الأمريكي إلى انتقاد الاعتراف الفرنسي، ووصفه بأنه تصرف متهور يخدم دعاية حماس، ويضرّ بالجهود السياسية.

وهنا تكمن المشكلة الحقيقية: حماس لا تفرّق بين النضال المشروع والتصرفات المرفوضة التي تسيء إلى صورة القضية. فهي تتصرف في كثير من الأحيان بعشوائية، وتفتقد إلى الحس السياسي، وكأنها لا ترى كيف ينظر العالم لما تفعل.

لم يعد من السهل على أي جهة محايدة أن تدافع عن مثل هذه الأفعال. فالنضال من أجل الحرية يجب أن يكون مبنيًا على القيم والمبادئ، حتى في أصعب الظروف. أما أن يتحول إلى استعراض دموي، فذلك لا يخدم سوى أعداء القضية.

وسط هذا المشهد المعقد، تحاول مصر أن تحافظ على توازن دقيق بين دعم القضية الفلسطينية، والعمل مع المجتمع الدولي على فتح طريق للحل. لكنها تجد نفسها مرارًا أمام تصرفات لا تملك تفسيرًا لها، ولا يمكن تبريرها أمام العالم.

الاعتراف بالدولة الفلسطينية لا يزال ممكنًا، لكنه يحتاج إلى قيادة فلسطينية عاقلة، تفهم الفرق بين المقاومة والسقوط في العنف المجاني، وتدرك أن كسب العالم لا يتم عبر صور القسوة، بل عبر العمل السياسي الذكي والمسؤول.

ما فعلته حماس مؤخرًا لا علاقة له بالمقاومة… بل هو نوع من الجنون.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى