قانون الإيجار الجديد يهدد أسرة بعد 30 عامًا من الاستقرار

بقلم اللواء الدكتور ممدوح شفيق النحاس

يجد أحد المواطنين نفسه اليوم أمام أزمة سكنية حقيقية تهدد استقراره، رغم أن قصة شقته الأولى بدأت قبل أكثر من ثلاثة عقود بإجراءات قانونية كاملة وواضحة.

في عام 1993، وبعد زواجه الأول، أقدم المواطن على شراء حق إيجار شقة في عمارات الشرق للتأمين بوسط القاهرة. العملية تمت وفق الأصول؛ المالك السابق تنازل عن حقه الإيجاري لصالح شركة التأمين المالكة للعقار، والشركة أبرمت عقد إيجار جديد باسم المواطن بعد أن دفع مبلغ ٧٠ الف جنيه كقيمة تأمينية، جرى تقسيمها بين المالك القديم والشركة. منذ ذلك الحين، استقرت أسرته الأولى في الشقة دون انقطاع، لتصبح جزءًا أساسيًا من حياته اليومية.

مرت السنوات، وفي عام 2005 تزوج المواطن للمرة الثانية، فاشترى شقة تمليك بمشروع إسكان مبارك للشباب بالقاهرة الجديدة، مساحتها 68 مترًا مربعًا. عاش بين المنزلين، مقسمًا وقته بين زوجتيه وأبنائهما، في ترتيب أسري واضح ومتفق مع القوانين السارية وقتها، دون أن يظن أن هذا الترتيب قد يهدده قانون في المستقبل.

لكن مع صدور قانون الإيجار الجديد، ظهرت المادة التي تشترط سحب الشقة المؤجرة إذا كان المستأجر يمتلك شقة تمليك لنفس غرض السكن. وبالنسبة للمواطن، فإن هذه المادة تمثل تهديدًا مباشرًا لبقائه في شقته الأولى، رغم أنه لم يحصل عليها امتدادًا لعقد قديم، بل اشتراها كحق إيجاري بعقد جديد باسمه وبمقابل مالي.

المعضلة هنا أن فلسفة القانون تستهدف منع احتفاظ مستأجرين بوحدات إيجار قديم مع امتلاكهم عقارات أخرى، حماية لحقوق الملاك وتشجيع استغلال العقار. لكن تطبيق النص بلا تفرقة بين من ورث عقدًا قديمًا مجانًا، ومن اشترى الحق الإيجاري ودفع قيمته، يثير إشكالية العدالة في التنفيذ.

هذه الحالة تفتح الباب لنقاش أوسع حول حاجة التشريعات المصرية إلى قدر من المرونة، بحيث تراعي الفروق الجوهرية بين الحالات. فحماية الحقوق المكتسبة لا تقل أهمية عن حماية مصالح الملاك، والحل قد يكمن في تعديل تشريعي أو وضع لائحة تفسيرية تستثني الحالات التي حصل فيها المستأجر على الحق بمقابل مادي وبعقد جديد.

في النهاية، تظل القضية نموذجًا للتحديات التي يخلقها تعارض النصوص القانونية الجامدة مع الواقع المعيشي المعقد، وهو ما يتطلب حوارًا جادًا بين المشرّع والمجتمع لضمان تحقيق التوازن بين العدالة الاجتماعية وحماية الملكية الخاصة.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى