صموئيل العشاي يكتب: نتنياهو… تاجر الدم وأحلام الخراب

بنيامين نتنياهو ليس مجرد سياسي إسرائيلي عابر، بل هو حالة متكاملة من الجشع السياسي والجنون التاريخي. رجل يعيش على إشعال الحروب كما يعيش السمك في الماء، ويزدهر كلما سال الدم في شوارع غزة أو تحولت بيوت الفلسطينيين إلى ركام. يطل على العالم بابتسامة باردة، وهو يعرف أن خلفه ترسانة نووية ودعم أمريكي أعمى، وصمت دولي مخزٍ، وجوقة من المصفقين في تل أبيب الذين يعتبرونه “حامي الأمة اليهودية” بينما هو في الحقيقة أكبر تهديد لوجودها على المدى الطويل.

هذا الرجل بنى مسيرته على أسطورة “إسرائيل الكبرى”، وكأن المنطقة كلها ورقة في لعبة مونوبولي يستطيع شراءها بجملة وعود، أو اقتطاعها بالقوة متى شاء. في خطابه، تتسع حدود الكيان الصهيوني لتبتلع ما تبقى من فلسطين، ثم تتسلل لابتلاع الجولان السوري المحتل، وأجزاء من لبنان، ونظراته لا تخفي أطماعه التاريخية في سيناء المصرية، وكأن دماء المصريين التي سالت في 1948 و1956 و1967 و1973 مجرد هوامش على دفتر التاريخ يمكن شطبها.

نتنياهو لا يرى العالم إلا من زاوية القوة الغاشمة. بالنسبة له، الحق لا وجود له إلا إذا كان مسنودًا بمدفع أو طائرة “إف-35”. يتحدث عن الأمن والسلام بينما يزرع المستوطنات في الضفة، ويهدم البيوت في القدس، ويطلق يد جيشه في قتل المدنيين، وكأن اتفاقيات السلام مجرد أوراق زينة يعلقها على الحائط ليخدع العالم.

لكن مشروعه ليس وليد اللحظة. منذ قيام الكيان، كانت هناك خرائط قديمة مرسومة بدقة، تظهر “إسرائيل” وهي تمتد من النيل إلى الفرات، محاطة بخطوط حمراء وسهام تشير إلى ما يسمونه “العمق الاستراتيجي”. هذه الخرائط ليست خيالًا؛ هي التي تحرك سياسات تل أبيب حتى اليوم، ونتنياهو مجرد أبرز منفذيها وأكثرهم جرأة على الإعلان عنها علنًا.

الخطر الحقيقي أن هذا المشروع يجد اليوم بيئة ذهبية للتنفيذ. المنطقة العربية ممزقة، الدول غارقة في أزماتها الداخلية، والاحتلال يمد يده إلى عواصم عربية تحت شعار “التطبيع” ليحصل على ما لم يحصل عليه في ميدان الحرب. نتنياهو لا يحتاج اليوم لاحتلال بالدبابات، بل يكفيه أن يجلس في مكتبه، يبتسم أمام كاميرات الإعلام، ويشاهد الدول وهي تفتح له أبوابها باسم “السلام” بينما يواصل هو قصف غزة وتهويد القدس في الخلفية.

ومصر – بحكم التاريخ والجغرافيا – تدرك أن ما يقوله نتنياهو ليس “هذيانًا انتخابيًا” بل إعلان حرب مكتوب بحروف واضحة. من معارك 1948 إلى نصر أكتوبر 1973، كان الصراع مع هذا الكيان مسألة بقاء، ومصر دفعت ثمنًا غاليًا من دماء أبنائها كي توقف تمدده. لكنها تعلم أيضًا أن الخطر لم ينته، وأن من يظن أن إسرائيل ستكتفي بما لديها، هو كمن يصدق أن الذئب سيكتفي بأكل خروف واحد.

الغرب – كالعادة – يتواطأ. العواصم الكبرى تدين العنف بعبارات إنشائية بينما تواصل شحن السلاح إلى تل أبيب، وتبرر جرائمها بحجة “حق الدفاع عن النفس”. أما الأمم المتحدة، فهي تكتفي بعقد جلسات طارئة وإصدار بيانات حبرها أغلى من قيمتها، بينما الأطفال يدفنون تحت الركام في غزة، والمستوطنات تبتلع الضفة.

مواجهة نتنياهو ومشروعه ليست خيارًا دبلوماسيًا، بل معركة وجود. إما أن تستيقظ الأمة كلها وتضع خطوطًا حمراء لا يمكن تجاوزها، أو نستيقظ بعد سنوات لنجد خرائط المنطقة قد أعيد رسمها بالكامل، ونحن نتحسر على ما ضاع. التاريخ لا يرحم، والأجيال القادمة لن تغفر إذا سقطنا أمام رجل لا يعرف إلا لغة الدم والنار، ويتعامل مع أحلام الخراب كأنها خطة عمل يومية

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى