صموئيل العشاي بكتب : إكرام منصور… الأذكياء يرحلون سريعًا

في عالم الصحافة، قلّما تجد من يوازن بين شرف المهنة وصدق الانتماء للوطن دون أن يقع في فخ الانحياز الأعمى أو المزايدة الرخيصة. كانت الراحلة إكرام منصور واحدة من هؤلاء القلائل؛ صحفية من طراز فريد، حملت هموم أبناء مهنتها في قلبها، كما حملت قضايا وطنها في عقلها وقلمها، دون أن تجعل من النضال مهنة للتربح أو وسيلة للتقرب من أصحاب السلطة.
لم تكن إكرام من أولئك الذين يكتبون عن الألم مقابل “الظرف الأبيض”، ولم تكن من جوقة المصفقين الذين يطبلون للمسؤولين طمعًا في منصب أو مكسب. كانت مهنية حتى النخاع، تعتبر أن الصحافة رسالة قبل أن تكون وظيفة، وأن الكلمة أمانة لا يجوز بيعها أو التفريط فيها.
عرفها زملاؤها إنسانةً قبل أن تكون صحفية. كانت تستطيع أن تقضي ساعات طويلة تتحدث عن أوضاع وأوجاع زملائها في الصحف القومية والحزبية والمستقلة، تبحث بإصرار عن بريق أمل يبدد معاناتهم، وتؤمن أن الصحفي الحقيقي لا يكتفي برصد الواقع، بل يسعى – ما استطاع – إلى تغييره للأفضل.
إكرام منصور لم تكن تؤمن بالاصطفاف الأعمى خلف مؤيد أو معارض، بل كانت ترى أن الوطن أكبر من الشعارات، وأن الصحفي الحر هو من يقف إلى جوار الحقيقة أينما كانت، حتى لو خسر رضاء أصحاب النفوذ أو المتعصبين للرأي الواحد.
رحلت إكرام، لكنها تركت سيرة عطرة تليق باسمها، ورسالة صحفية نزيهة تظل شاهدة على أن الصحافة يمكن أن تكون مهنة شريفة، إذا حملها قلب صادق وعقل حر. الأذكياء يرحلون سريعًا، لكن بصماتهم تظل باقية لا يمحوها غياب.