إبراهيم طه يكتب : “الخطيب” يخدم الصهيونيه

منذ أكتوبر 2023، تتعرض فلسطين لأبشع مأساة إنسانية في تاريخها المعاصر. أكثر من 63 ألف شهيد، و164 ألف جريح، ومليونا نازح ومشرّد في غزة والضفة الغربية، وفق تقارير الأمم المتحدة. أرقام صادمة تكشف أن الاحتلال الإسرائيلي يخوض حرب إبادة حقيقية ضد شعب أعزل، وسط صمت دولي، وتواطؤ إقليمي، وتفرّج عالمي مخزٍ.

في قلب هذه المأساة، يخرج علينا قادة ما يسمى بالحركة الإسلامية في الداخل المحتل، وعلى رأسهم كمال الخطيب ورائد صلاح، لا كمدافعين عن القضية، بل كأبواق للإسلام السياسي الذي عرفناه دومًا أداة لتمزيق الأوطان وتفتيت الشعوب. هؤلاء لا يمثلون الإسلام الحقيقي، بل يتاجرون بالدين ليخدموا أجندات سلطوية وأمنية، في تماهٍ مفضوح مع مصالح الاحتلال.

المفارقة الصادمة أن هذه الحركة تنظم مظاهرات ضد مصر، قلعة العروبة، وتحت حماية دبابات الاحتلال الإسرائيلي نفسها. يرفعون أصواتهم في وجه القاهرة، لكنهم لا يجرؤون على كلمة في وجه نتنياهو الذي يبارك وجودهم ويمنحهم تصاريح لأنشطتهم. أي خيانة أكبر من أن يتظاهر من يدّعي حماية الأقصى تحت حماية من يهوّد الأقصى؟

الحقيقة التي يحاولون التغطية عليها هي أن إسرائيل وجدت فيهم أداة مثالية لإدارة الداخل الفلسطيني. فالاحتلال يغلق المؤسسات الوطنية الفلسطينية، بينما يمنح هؤلاء تراخيص رسمية، ويضخ لهم ميزانيات عبر جمعيات مسجلة تحت إشراف وزارة العدل الإسرائيلية. ثم تأتي الأموال من قطر وتركيا وماليزيا تحت ستار “المساعدات الإنسانية”، لتصب في حساب حركة دينية توظفها لخدمة “التهويد الناعم” وتخدير وعي الشباب الفلسطيني.

وليس هذا أمرًا عابرًا؛ فالعلاقة بين الاحتلال والحركة الإسلامية في الداخل المحتل لها جذور تاريخية. فمنذ السبعينيات، سمحت إسرائيل للحركة بالنشاط القانوني كبديل عن الأحزاب الوطنية الفلسطينية المحظورة. بل إن الدولة العبرية كانت تنظر إلى “الإسلام السياسي” باعتباره أقل خطرًا من التيارات القومية اليسارية، ووسيلة لتفكيك المجتمع الفلسطيني من الداخل. وعندما انقسمت الحركة عام 1996 إلى شقين: الشمالي بقيادة رائد صلاح، والجنوبي بقيادة حماد أبو دعابس، تعامل الاحتلال مع الشق الجنوبي كـ”شريك مدني” شرعي، يشارك في الكنيست الإسرائيلي، ويحصل على دعم حكومي مباشر. أما الشق الشمالي فظل يعمل تحت شعارات “الأقصى في خطر”، لكنه لم يقدم سوى خطابات حماسية فارغة، بلا مشروع وطني حقيقي، حتى حظرته إسرائيل عام 2015 بعد أن أدى دوره المطلوب.

الأدهى أن هذه الحركة تغض الطرف عن واحدة من أخطر الجرائم الجارية اليوم: تهجير أكثر من 400 ألف مقدسي ضمن مخطط “القدس الكبرى”. بينما تُهدم البيوت وتُسحب الإقامات، يكتفي الخطيب وأمثاله بخطابات إنشائية حول “الأقصى”، وكأن الكلمة تكفي لمواجهة الجرافة. صمتهم المريب يكشف أنهم ليسوا حماةً للقدس، بل “كلاب حراسة” للاحتلال، ينبحون على الأمة ليغطوا على ذئاب الاستيطان.

من يتأمل خطابهم يدرك أنه خطاب مزيف: شعارات عن الجهاد لا تعكس فعلًا واحدًا ضد الاحتلال، بل تُستخدم لتخدير الناس. المساجد تحولت على أيديهم إلى منابر لتكفير المعارضين وتخوين الوطنيين، والجمعيات الخيرية صارت صناديق تمويل مشبوهة، تعيد إنتاج التبعية بدلًا من المقاومة. إنهم سماسرة دين، يبيعون الوهم للشباب، ويستثمرون في دموع الأمهات وصرخات الأطفال، بينما يتعايشون بسلام مع الاحتلال الذي يبارك بقاءهم.

لقد آن الأوان لفضح هذه اللعبة القذرة. فلسطين لا تحتاج إلى خطباء منابر يتاجرون بالدماء، بل إلى مقاومين حقيقيين يضحون بصدق. القدس لا تحتاج إلى دكاكين دينية تبيع الأوهام، بل إلى رجال أحرار يكتبون بدمائهم شهادة الوفاء. نحن أمام معركة وجود بين الوطنيين المخلصين من أبناء فلسطين، وبين عملاء الاحتلال الذين يختبئون في عباءة “الدعاة”.

والمؤكد أن التاريخ لن يرحم هؤلاء الذين خانوا الدين والقضية معًا. سيذكرهم كخونة باعوا الأرض والإنسان تحت لافتة “الإسلام السياسي”، وسيحاسبهم الشعب على جريمة بيع الضمير للأعداء. فلسطين لا تحتمل المزيد من المتاجرة، ولا الأمة تطيق المزيد من الخداع. المعركة الحقيقية واضحة: بين شرفاء يقاتلون من أجل الحرية، وخونة يبيعون القدس في سوق النخاسة السياسية

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى