لقاء السيسي ومحمد بن سلمان: ماذا يعني للعرب.. ولماذا تراقبه واشنطن وتل أبيب عن كثب؟

بقلم – صموئيل العشاي:

لم يكن لقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في السعودية لقاءً بروتوكوليًا عابرًا يُضاف إلى جدول أعمال مزدحم بالقمم والزيارات. بل كان محطة استراتيجية كبرى تعكس حجم التحولات التي تشهدها المنطقة العربية، خصوصًا في ظل استمرار حرب غزة، وتصاعد الضغوط الدولية على القاهرة والرياض من قِبَل واشنطن وتل أبيب. ومن هنا يتبدى السؤال: ما الذي يعنيه هذا اللقاء للعرب جميعًا؟ ولماذا يتابعه الموساد وأجهزة الاستخبارات الأمريكية باهتمام بالغ وكأنه حدث يتجاوز حدود الدولتين؟

أولًا: التنسيق الإقليمي في مواجهة التهديدات

اللقاء بين القاهرة والرياض يرسل رسالة صريحة مفادها أن الدولتين العربيتين الأكبر من حيث الثقل السياسي والاقتصادي تتحركان في مسار واحد. الملفات الساخنة أمامهما متعددة ومتشابكة:

  • الحرب في غزة: مصر، بحكم الجغرافيا والتاريخ، ترفض أي مشروع يهدف إلى تفريغ القطاع من سكانه أو دفع الفلسطينيين إلى سيناء، وهو سيناريو مطروح في بعض الأوساط الإسرائيلية. في المقابل، السعودية تدرك أن أي تسوية سياسية لا تعيد الاعتبار لحقوق الشعب الفلسطيني ستفقد شرعيتها أمام الشعوب العربية والإسلامية.
  • التمدّد الإيراني: الرياض لا تزال تتحسس خطواتها بعد المصالحة مع طهران، فيما تراقب مصر بحذر أي خلل في توازن القوى بالمنطقة، إدراكًا بأن تأثير إيران يتجاوز حدود الخليج إلى الشام والبحر الأحمر.
  • التهديدات الإرهابية: القاهرة والرياض خاضتا معارك طويلة مع الجماعات الإرهابية التي غالبًا ما تُستخدم كأدوات لإعادة تشكيل خرائط النفوذ في المنطقة، سواء في سوريا أو اليمن أو حتى شمال إفريقيا.

هنا يصبح مفهوماً لماذا تضع أجهزة الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية هذا اللقاء تحت المجهر: فالتنسيق المصري–السعودي يشبه بناء “جدار صد” إقليمي يمنع تل أبيب من تمرير أجندتها منفردة، ويقيد واشنطن التي اعتادت اللعب على التناقضات العربية.

ثانيًا: محور اقتصادي–استراتيجي

بعيدًا عن الملفات السياسية والأمنية، فإن اللقاء يفتح أبوابًا لمشروعات اقتصادية تحمل بعدًا استراتيجيًا طويل المدى:

  • مشروعات البحر الأحمر: من قناة السويس إلى مدينة نيوم، هناك توجه لإقامة شريان اقتصادي متكامل يجعل البحر الأحمر بحيرة تعاون عربي بدلًا من أن يبقى ساحة تنافس دولي.
  • الربط الكهربائي والطاقة المتجددة: القاهرة والرياض تعملان على شبكة ربط كهربائي عملاقة تمثل خطوة نحو استقلال القرار الطاقوي العربي بعيدًا عن ابتزاز الغرب.
  • الاستثمار المتبادل: السعودية تعد أحد أكبر المستثمرين في الاقتصاد المصري، فيما تشكل مصر بوابة طبيعية للأسواق الإفريقية، ما يمنح التعاون بين البلدين بُعدًا يتجاوز الإقليم ليصل إلى القارة السمراء.

هذه الملفات الاقتصادية تقلق واشنطن، لأنها تعني بناء محور اقتصادي عربي مستقل يُضعف قدرتها على فرض سياسات عبر المعونات والضغط المالي.

ثالثًا: الرسالة السياسية للعالم

مجرد انعقاد اللقاء في هذا التوقيت يمثل رسالة بليغة:

  • إلى إسرائيل: أن زمن “التطبيع الفردي” لم يعد الخيار الوحيد، وأن هناك بدائل تقوم على موقف عربي جماعي يرفض مشاريع مثل “إسرائيل الكبرى” أو توطين الفلسطينيين خارج أرضهم.
  • إلى الولايات المتحدة: أن رهاناتها على تفكيك الموقف العربي باءت بالفشل، وأن القاهرة والرياض تمسكان بخيوط ملفات ساخنة تمتد من غزة إلى اليمن والسودان وليبيا وسوريا.

ولهذا، فإن قراءة الموساد للقاء باعتباره “حائط صد” أمام مشاريع التوسع الإسرائيلي تتقاطع مع رؤية المخابرات الأمريكية له كإشارة خطيرة على استقلالية القرار العربي عن واشنطن.

رابعًا: مصر والسعودية.. ركيزة الاستقرار العربي

منذ عقود، مثّل التنسيق بين القاهرة والرياض صمام أمان للمنطقة. تجارب الماضي أثبتت أن غيابه يفتح الباب واسعًا أمام التدخلات الخارجية، بينما وجوده يخلق معادلة توازن صعبة الكسر:

  • مصر: بثقلها الجغرافي والعسكري تمثل خط الدفاع الأول عن الأمن القومي العربي، من المتوسط شمالًا إلى البحر الأحمر جنوبًا.
  • السعودية: بما تملكه من ثروة نفطية وقدرة مالية، هي العمود الفقري لأي مشروع اقتصادي–سياسي عربي.

اللقاء إذن ليس مجرد اجتماع ثنائي، بل إعلان ضمني أن محور الاستقرار العربي ما زال قائمًا وقادرًا على الفعل، وأن المنطقة لا تزال تملك قدرة على رسم معادلاتها بعيدًا عن الإملاءات الخارجية.

الخلاصة

لقاء السيسي ومحمد بن سلمان ليس حدثًا عابرًا، بل محطة فارقة تحمل أبعادًا سياسية وأمنية واقتصادية تمتد آثارها على مجمل الإقليم العربي. ولهذا يراقبه الموساد والمخابرات الأمريكية بدقة، لأن أي اصطفاف صلب بين القاهرة والرياض يُضعف نفوذ واشنطن وتل أبيب معًا.

إنها لحظة تعيد طرح سؤال جوهري:

هل يشهد العرب ميلاد محور استقلالية جديد يعيد صياغة معادلات المنطقة؟ أم أن الضغوط الدولية ستسعى لتفكيكه قبل أن يكتمل؟

ما هو مؤكد أن القاهرة والرياض تملكان اليوم أوراقًا استراتيجية قادرة على قلب الموازين، وأن أي اصطفاف بينهما لن يمر مرور الكرام على عواصم القرار في واشنطن وتل أبيب

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى