نداء كنسي مشترك: غزة على حافة نكبة جديدة

في تطور يعكس تصاعد القلق الدولي من الحرب الدائرة في قطاع غزة، أصدرت بطريركيّة الروم الأرثوذكس والبطريركية اللاتينية في القدس بيانًا مشتركًا، اعتبرت فيه أن العملية العسكرية الإسرائيلية الجارية تمثل تهديدًا مباشرًا لبقاء السكان المدنيين، محذرتين من أن التهجير القسري الجماعي سيقود إلى “مأساة لا رجعة فيها”.
تصعيد غير مسبوق
منذ إعلان الحكومة الإسرائيلية، قبل أسابيع، نيتها فرض السيطرة الكاملة على مدينة غزة، تتوالى المؤشرات على تعبئة عسكرية ضخمة وتحضيرات لهجوم بري شامل. وقد أكدت وسائل الإعلام العبرية والدولية أن أوامر إخلاء واسعة صدرت بالفعل لعدد من أحياء المدينة، فيما يواجه السكان قصفًا جويًا ومدفعيًا كثيفًا أدى إلى تدمير بنى تحتية حيوية ومنازل سكنية.
الكنائس وصفت هذه التطورات بأنها تجسيد عملي لتصريح رسمي إسرائيلي سابق، حين أعلنت تل أبيب أن “أبواب الجحيم ستفتح”، مشيرة إلى أن ما يجري يتجاوز مجرد تهديدات إلى “تنفيذ حرفي” لسياسات العقاب الجماعي.
الكنائس كملاجئ حياة
منذ اندلاع الحرب، تحولت الأديرة والكنائس في غزة إلى مراكز إيواء طارئة. ويبرز في المقدمة مجمّع كنيسة مار بورفيريوس للروم الأرثوذكس، أقدم كنائس القطاع، ومجمّع كنيسة العائلة المقدسة للاتين. ويأوي هذان المجمّعان مئات المدنيين، من بينهم عائلات بأكملها، وكبار سن، وأطفال، إضافة إلى ذوي إعاقة يجدون رعاية لدى “جمعيّة مرسلات المحبة”.
وأكد البيان أن هؤلاء النازحين يعيشون ظروفًا بالغة القسوة، حيث يعاني الكثير منهم من الهزال وسوء التغذية بعد أشهر من الحصار ونقص الغذاء والدواء. وأشار إلى أن إجبارهم على النزوح جنوبًا، كما تطلب إسرائيل، “يمثل حكمًا بالإعدام على الفئات الأكثر ضعفًا”.
رغم المخاطر، شدّد الكهنة والراهبات على بقائهم إلى جانب المدنيين داخل أسوار الكنائس، مؤكّدين أن رسالتهم الروحية والأخلاقية تتطلب الاستمرار في تقديم الرعاية والمساندة حتى النهاية.
تحذير من نكبة جديدة
البيان أعاد التذكير بالتجارب السابقة في غزة، معتبرًا أن ما يجري اليوم ليس حدثًا عابرًا، بل يهدد بتكرار مأساة تاريخية شبيهة بالنكبة الفلسطينية عام 1948. وأكدت البطريركيتان أنه “لا مستقبل يمكن أن يُبنى على سجن الفلسطينيين أو تهجيرهم أو الانتقام منهم”، محذرتين من أن هذه السياسة لن تؤدي إلا إلى المزيد من الدمار والكراهية وعدم الاستقرار في المنطقة بأسرها.
موقف كنسي عالمي
في سياق متصل، استشهد البيان بكلمات البابا لاون الرابع عشر التي ألقاها قبل أيام أمام لاجئي أرخبيل تشاغوس، حين قال: “يجب على الأقوياء احترام جميع الشعوب، حتى أصغرها وأضعفها، في هويتها وحقوقها، وخاصة حقها في العيش على أرضها؛ ولا يجوز لأحد أن يجبرها على المنفى القسري.”
وأشار قادة الكنيستين إلى أن هذه الرسالة الكنسية ليست موجهة فقط للشأن الفلسطيني، بل لكل الشعوب المقهورة في العالم، مؤكّدين أن الكنيسة الكاثوليكية والأرثوذكسية معًا ترى أن ما يجري في غزة يشكل “تحديًا أخلاقيًا وإنسانيًا” للمجتمع الدولي.
نداء عاجل إلى المجتمع الدولي
لم يقتصر البيان على الدعوة لوقف العملية العسكرية، بل حمّل المجتمع الدولي مسؤولية “التقاعس” عن التدخل لوقف نزيف الدم. وطالب بضرورة التحرك الفوري لإيقاف الحرب، وتوفير ممرات إنسانية آمنة للمدنيين، وضمان وصول المساعدات الطبية والغذائية.
كما دعا إلى إطلاق سراح جميع المدنيين المحتجزين كرهائن أو معتقلين، بما في ذلك الرهائن الإسرائيليين، مشددًا على أن الكرامة الإنسانية يجب أن تكون فوق أي اعتبارات سياسية أو عسكرية.
رسالة أمل وسط الركام
واختُتم البيان بآية من سفر الأمثال: “طريق العدل يؤدي إلى الحياة، والسير فيه يُنجّي من الموت”، مع دعوة للمؤمنين في العالم أجمع إلى الصلاة من أجل غزة، ومن أجل الأرض المقدسة بأسرها.
وجاء في الخاتمة: “لقد جرى ما يكفي من الدمار، في الممتلكات وفي حياة البشر. حان الوقت للتوبة والعودة إلى طريق العدالة، من أجل بناء مستقبل يسوده السلام بدلًا من الكراهية والانتقام”.