إبراهيم طه.. يكتب: يمين «حميدتي».. حكومة موازية أم مشروع تقسيم؟!

في خطوة خطيرة تهدد وحدة السودان وسلامة أراضيه، أدى محمد حمدان دقلو، المعروف بـ«حميدتي»، قائد قوات الدعم السريع، اليمين الدستورية رئيسًا لحكومة موازية في مدينة نيالا، عاصمة إقليم دارفور الفعلية لقواته، يوم السبت 30 أغسطس 2025.

هذا التطور، الذي يأتي في خضم حرب أهلية مدمرة مستمرة منذ 28 شهرًا، يدفع السودان خطوة أخرى نحو الانقسام الفعلي، ويثير تساؤلات حادة حول نوايا «حميدتي» ودوره في تعميق معاناة الشعب السوداني.

إعلان «حميدتي» تشكيل حكومة موازية تحت مظلة «تحالف السودان التأسيسي»، مع دستور انتقالي جديد لعام 2025، يلغي الوثيقة الدستورية لعام 2019، ليس مجرد خطوة سياسية، بل محاولة واضحة لتكريس سلطة موازية للجيش السوداني.. لكن، كيف يمكن لـ«حميدتي» أن يدّعي السعي لـ«وحدة عادلة» بينما قواته تسيطر على دارفور وتحاصر مدنًا مثل «الفاشر» محكمة الخناق على مئات الآلاف من المدنيين؟
وهل يمكن الوثوق بتعهداته بـ«السلام العادل» بينما تقارير موثوقة تكشف عن انتهاكات قواته بحق المدنيين؟

يا سادة.. في مدينة الفاشر، عاصمة دارفور التاريخية، تفرض قوات الدعم السريع حصارًا خانقًا منذ أكثر من 500 يوم، دفع المدنيين إلى تناول العلف الحيواني للبقاء على قيد الحياة وبحسب تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسف» كشف عن مقتل أو تشويه أكثر من ألف طفل جراء القصف والغارات التي شاركت فيها قوات «حميدتي».

وبعيد عن كل محاولات غسيل اليدين بدم بارد، وفي الوقت الذي يدّعي فيه أن قواته تتيح للمدنيين فرصة المغادرة، تؤكد صور الأقمار الصناعية من مختبر الأبحاث الإنسانية بـ«جامعة ييل» إقامة حواجز تمنع الخروج، بينما يتعرض الفارون لهجمات وسرقات من مسلحي الدعم السريع. فكيف يبرر «حميدتي» هذه الجرائم؟
وهل تعهده بحماية الممرات الإنسانية مجرد شعارات فارغة لتلميع صورته؟

صدقا، الحرب التي يقودها «حميدتي» ضد الجيش السوداني لم تدمر فقط البنية التحتية للبلاد، بل دفعت نصف سكان السودان إلى الجوع، وتسببت في أسوأ أزمة إنسانية في العالم.. بينما يتحدث عن «دولة مدنية ديمقراطية علمانية»، تظهر أفعاله عكس ذلك: سيطرة عسكرية على دارفور، هجمات على قرى «كردفان»، وتشريد ملايين السودانيين.. فهل هذا هو «السلام الشامل» الذي يعد به؟

عموما.. اسمحوا لي طرح تساؤلات ضرورية لـ«حميدتي»:
لماذا يصر على إشعال فتيل الحرب بدلاً من السعي للحوار الوطني الذي يحفظ وحدة السودان؟
وكيف يمكن أن تدّعي السعي للوحدة الوطنية بينما تقيم حكومة موازية تعمق الانقسام؟
ولماذا تواصل قواتك حصار المدنيين في الفاشر، مما يتسبب في معاناة إنسانية لا تطاق؟
وكيف تبرر انتهاكات قوات الدعم السريع الموثقة ضد المدنيين، بما في ذلك السرقة والهجمات؟
وأين هي الخطوات العملية لتعهداتك بفتح ممرات إنسانية وتوصيل المساعدات؟
وهل مشروعك السياسي مجرد غطاء لتكريس سيطرة قواتك على موارد دارفور وتقسيم السودان؟

إن إعلان حكومة موازية بقيادة «حميدتي» ليس سوى محاولة لتكريس الانقسام وتفتيت النسيج الوطني السوداني.. الشعب، الذي عانى عقودًا من الحروب والنزاعات، يستحق قيادة تحافظ على وحدته وتضع مصالحه فوق أي أجندات شخصية أو فئوية.

أثارت هذه الخطوة موجة غضب واستنكار واسعة من جامعة الدول العربية، ونددت بها واصفة إياها بأنها محاولة غير شرعية لفرض «حكومة موازية» تهدد بتمزيق النسيج الوطني السوداني وتُعرض وحدة البلاد لخطر الانقسام الدائم.

بدوره، سارع الجيش السوداني إلى شجب هذه الخطوة، واصفًا إياها بـ«الوهمية» و«مسرحية يائسة» تهدف إلى تلميع مشروع قوات الدعم السريع وتكريس نفوذها غير القانوني.

هنا يحضرني مثل شعبي مصري به من البلاغة والحكمة ما يكفي ويفيض: «يعيش البجح على قفا المكسوف»، واقصد به استغلال «حميدتي» الفرص على حساب معاناة الآخرين.. ويثير بداخلي عديد الأسئلة التي تنتظر إجابات شافية وافية:
هل تدرك حقًا دلالات «الوحدة العادلة» التي تزعم الدفاع عنها، أم أنها مجرد شعار جوفاء تخفي وراءها أجندة التقسيم؟
وهل تملك فهمًا عميقًا لمفهوم «الحكم اللامركزي» الذي تتبناه، أم أنه غطاء لتوسيع سيطرة قواتك على حساب مصالح الشعب السوداني؟
وكيف يمكن لشخص يقود قوات متهمة بارتكاب انتهاكات إنسانية أن يدّعي السعي لبناء دولة عادلة تحترم حقوق مواطنيها؟

واسمحوا لي بقول كلمة حق أمام الله وأمامكم جميعا، إن استمرار «حميدتي» في هذا المسار يهدد ليس فقط استقرار السودان، بل مصالح ملايين السودانيين الذين يتطلعون إلى السلام والاستقرار والكل يعلم أن وحدة السودان ليست للبيع، ويجب على المجتمع الدولي والقوى الوطنية السودانية التصدي لهذه الخطوة بكل حزم، والعمل على إنهاء الحرب عبر حوار شامل يحفظ وحدة السودان ويوقف معاناة شعبه.

السودان ليس ملكًا لفرد أو فصيل، بل وطن ينتمي إلى كل أبنائه.. ومحاولات «حميدتي» لفرض سلطة موازية تحت شعارات السلام والعدالة لن تخدع شعبًا يعاني من ويلات الحرب التي ساهم في إشعالها.. وحدة السودان خط أحمر، وأي محاولة لتقسيمه ستواجه برفض شعبي ودولي.. وعلى تاجر «الأبل» أن يدرك أن التاريخ لن يرحم من يسعى لتمزيق أمة وتدمير مستقبل شعبها.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى