اليمين المتطرف.. زلزال سياسي يعيد رسم خريطة أوروبا

لم يعد اليمين المتطرف في أوروبا مجرد أصوات احتجاجية على الهامش، بل تحول إلى تيار سياسي صاعد يهز أركان العواصم الأوروبية، ويضع مؤسسات الاتحاد الأوروبي أمام اختبار صعب.

هل هي هوية مهددة أم عودة للوطنية؟

أحزاب اليمين المتطرف ترفع شعارًا واحدًا: “استعادة السيطرة”. السيطرة على الحدود، و سوق العمل، و الهوية الوطنية. المهاجرون بالنسبة لهم ليسوا مجرد أعداد، بل ورقة يلوّحون بها أمام شعوب تتخوف من فقدان فرص العمل أو تغيير شكل مجتمعاتها.

هذه الأحزاب تحولت من الهامش إلى قلب الحكم

•   في فرنسا، بات حزب التجمع الوطني لمارين لوبان على بعد خطوة من السلطة.

•   في إيطاليا، تجلس جورجيا ميلوني على مقعد رئاسة الوزراء، بعدما قادت حزب “إخوة إيطاليا” من الشارع إلى الحكم.

•   في ألمانيا، يواصل حزب “البديل من أجل ألمانيا” تسجيل أرقام قياسية في استطلاعات الرأي.

•   أما إسبانيا، النمسا، هولندا، والدنمارك، فقد نجحت أحزاب اليمين الشعبوي في فرض نفسها كقوة لا يمكن تجاهلها.

خمسة سيناريوهات لمستقبل اليمين المتطرف في أوروبا

١- سيناريو الصعود إلى الحكم

إذا استمرت الأحزاب التقليدية في التراجع وضعف الثقة الشعبية فيها، فقد نرى أحزاب اليمين المتطرف تصل مباشرة إلى رئاسة الحكومات. تجربة جورجيا ميلوني في إيطاليا دليل حي على ذلك. هذا السيناريو معناه أن السياسات الأوروبية تجاه الهجرة والحدود والاقتصاد ستتغير بشكل جذري، وربما تتبنى بعض الدول نهجًا أكثر انغلاقًا.

٢- سيناريو الكتلة الضاغطة

حتى لو لم يحكموا، فإن وجودهم بأعداد كبيرة داخل البرلمان الأوروبي كفيل بأن يعطل الكثير من القوانين. تخيّل مثلًا أن مشاريع القوانين الخاصة بالمناخ أو الهجرة أو حتى الموازنات الأوروبية تواجه فيتو متكرر. هنا يصبح اليمين المتطرف لاعبًا أساسيًا قادرًا على شل حركة الاتحاد، وفرض نفسه كقوة لا يمكن تجاهلها.

٣- سيناريو الانقسام الداخلي

اليمين المتطرف ليس وحدة متجانسة، بل داخله خلافات كبيرة:

•   بعض الأحزاب تريد الخروج من الاتحاد الأوروبي، وأخرى تفضّل البقاء مع تقليص نفوذ بروكسل.

•   هناك من يدعم علاقات أوثق مع روسيا، وآخرون يرفضون ذلك تمامًا.

مع الوقت قد تؤدي هذه التناقضات إلى صدامات داخلية، مما يضعف قوتهم الجماعية ويفقدهم جزءًا من شعبيتهم.

٤- سيناريو الصدام مع الشارع

إذا وصلوا إلى الحكم وطبقوا سياسات صارمة ضد المهاجرين أو فرضوا إجراءات اقتصادية قاسية، ربما يواجهون احتجاجات ضخمة في الشوارع يقودها النقابات والطلاب وحركات المجتمع اليسارية . هذا السيناريو قد يجعل فترة حكمهم قصيرة، ويعيدهم مرة أخرى إلى مقاعد المعارضة.

٥- سيناريو التطبيع السياسي

بعض أحزاب اليمين المتطرف قد تختار “التخفيف من حدتها” للبقاء في الحكم. بمعنى أنهم قد يتركون خطاب الصدمة ويقتربون أكثر من الوسط، فيتحولون تدريجيًا إلى أحزاب سياسية طبيعية تشارك في السلطة مثل غيرها. وهذا قد يكون وسيلة لدمجهم في النظام السياسي بدلًا من عزلهم.

بهذا الشكل، مستقبل اليمين المتطرف في أوروبا مفتوح على أكثر من طريق: من الصعود المدوي إلى الحكم، إلى الانقسام والتراجع، أو حتى الاندماج كجزء من المشهد السياسي العادي.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى