محمد مخلوف يكتب : حلم الناتو العربي

العرب لم يعجزوا عن إنشاء قوة عسكرية موحدة بسبب نقص السلاح أو المال، بل لأن الإرادة السياسية غائبة والمصالح متفرقة، وكل دولة تبحث عن محور خاص بها، بينما القوى الخارجية تتدخل لتفتيت أي مشروع يمكن أن يعيد للعرب قوتهم. ومع ذلك فالفكرة ليست مستحيلة، بل ممكنة إذا توافرت قيادة سياسية موحدة، ودعم شعبي واسع، وقانون ملزم ينظم العمل، وتمويل مشترك مستمر، واستراتيجية أمنية واضحة تجعل الهدف حماية العرب لا مصالح أنظمة أو جماعات.
المطلوب أن يكون هناك نظام عادل يوزع الأعباء بين الدول، فالدول الغنية تدفع أكثر بحكم قدراتها، والدول الأضعف تساهم بما تستطيع، حتى يشعر الجميع أن المشروع ملك لهم جميعاً. ولا بد أن تكون هذه القوة مبنية على تخطيط منظم يضمن استمراريتها، لا أن تكون مجرد مبادرة مؤقتة تنتهي مع أول خلاف.
من الناحية العسكرية، فإن هذه القوة يجب أن تضم كل الأفرع: قوات جوية بغطاء دفاع جوي، قوات بحرية حديثة فيها غواصات وزوارق ومدمرات، قوات خاصة مدربة، أجهزة استخبارات قوية، إلى جانب تشكيلات من المشاة والمظلات إذا تطلب الأمر مواجهة برية. كما يجب أن تكون هناك قوات دعم لوجستي واستطلاع واتصالات موحدة، حتى تكون القوة قادرة على التحرك في أي وقت وأي مكان، وتشبه في تكاملها “ناتو عربي” حقيقي، يقوده مجلس عسكري مشترك يضع الخطط ويحدد الأهداف.
هذه الفكرة لا تتعارض مع القانون الدولي، بل يتيحها ميثاق الأمم المتحدة الذي يسمح بتكوين منظمات إقليمية تعمل لحفظ الأمن والسلام إذا التزمت بالمبادئ الدولية. وهذا يعطي المشروع غطاء قانونياً يمنع القوى الكبرى من الاعتراض عليه إذا تم تنظيمه بشكل صحيح.
الفرصة متاحة أمام العرب إذا أرادوا استغلالها، خاصة مع القمم الطارئة واللقاءات التي يمكن أن تفتح باب العودة لمشروع القوة المشتركة. لكن لا يكفي الكلام، المطلوب خطوات عملية واضحة: وضع جدول زمني، تدريب مشترك، صناعة سلاح عربية، تبادل معلومات استخبارية سريع وموثوق، وتمويل مضمون.
الأحداث الأخيرة، مثل الضربة الإسرائيلية في قطر، أثبتت أن الأمن القومي العربي هش وأن التهديدات حقيقية وليست نظرية. وهذا يعيد السؤال الكبير: من سيدافع عن العرب؟ إذا لم يتحول حلم القوة المشتركة إلى واقع، ستبقى الشعوب في انتظار حماية لا تأتي، وسيبقى العرب مجرد أمة ممزقة تتفرج على غيرها وهو يرسم مستقبلها.