وكيل مباحث امن الدولة يحذر من غياب نادر بكار الغامض

في هذا الحوار، مع اللواء عبد الحميد خيرت وكيل جهاز مباحث أمن الدولة السابق ملف نادر بكار، أحد أبرز الوجوه التي صعدت سريعًا عقب ثورة 25 يناير، ليصبح المتحدث الرسمي باسم حزب النور، الذراع السياسية للدعوة السلفية. بكار الذي لمع كـ”نجم سلفي عصري” ببدلة أنيقة ولغة إعلامية متزنة، اختفى فجأة من المشهد، لتلاحقه علامات الاستفهام حول مساره ودوره.
س: كيف تقيّمون صعود نادر بكار المفاجئ بعد 2011؟
ج: بكار ظهر في لحظة فراغ سياسي كبيرة. التيار السلفي كان بحاجة إلى وجه مختلف عن الشيوخ التقليديين، فبرز هو كمتحدث لبق، أنيق، يتقن لغة الإعلام. لم يكن مجرد لسان للحزب، بل مشروعًا سياسيًا وإعلاميًا مكتملًا. ولذلك حصل على مساحة حضور استثنائية، وصار واجهة مقبولة لتسويق خطاب السلفيين.
س: هل كان بكار يمثل فعليًا الدعوة السلفية أم نفسه بالأساس؟
ج: الحقيقة أنه كان مشروعًا هجينًا. جزء منه يخدم الدعوة التي أرادت تقديم خطاب مخفف وحديث، والجزء الآخر يخدم طموحه الشخصي. هو أدرك مبكرًا أن هناك فرصة للتمدد إذا ارتدى ثوب “الإسلامي العصري” القادر على الحديث أمام الغرب.
س: لكن ما سر اختفائه بعد 2013 رغم مشاركة حزب النور في مشهد 3 يوليو؟
ج: هناك ثلاث تفسيرات. إما أنه اختفى بإرادته بعدما فقد الحاضنة السياسية، أو أن أطرافًا في الداخل رأت أن دوره انتهى فتم إبعاده، أو – وهو الاحتمال الأخطر – أنه كان يُعاد تأهيله في بيئة أخرى لأدوار مستقبلية. في كل الأحوال، اختفاء شخصية بهذا الحجم دون مبرر يترك علامات استفهام كبيرة.
س: ما دلالة التحاقه بجامعة هارفارد في تلك الفترة؟
ج: انضمامه إلى برنامج زمالة في السياسات العامة بجامعة هارفارد ليس تفصيلة عابرة. مثل هذه البرامج ليست مجرد تعليم، بل بوابة لصناعة أدوات ناعمة للتأثير في مجتمعاتهم الأصلية. الغرب يهتم كثيرًا بالشخصيات التي تجمع بين خبرة الحشد الشعبي والقدرة على التلون. وبكار كان مؤهلًا لذلك تمامًا.
س: هل ترون أن بكار كان مدعومًا من جهات داخلية أو خارجية؟
ج: الأمر يتحمل عدة سيناريوهات ، ومن غير المنطقي أن نحصر صعوده في اجتهاده الشخصي فقط. المؤشرات تقول إنه كان مدعومًا، سواء من التيار السلفي الذي يري نفسه بديلًا عن الإخوان، أو حتي من أطراف خارجية أرادت صناعة نموذج “مروّض” للتعامل معه. شخص بمثل هذا الحضور الإعلامي والسياسي لا يظهر وحده.
س: إلى أي مدى ساعدته شخصيته في هذا الصعود؟
ج: بكار ذكي، يجيد الظهور الإعلامي، يعرف كيف يزن كلماته، ولا يتلعثم أمام الكاميرات. هذه سمات نادرة في قيادات السلفية التقليدية. كاريزمته الشخصية فتحت له أبوابًا ربما أكثر مما فتحه له فكره أو علمه.
س: في المقالات التحليلية هناك من شبّه نمط بكار بمسيرة الجولاني، هل توافق؟
ج: المقارنة ليست في الفكر أو التنظيم، بل في النمط. كلاهما خرج من بيئة متشددة، ثم ظهر لاحقًا بوجه إعلامي أكثر نعومة. الجولاني قدّم نفسه كقائد عسكري، ثم تحول إلى شخصية سياسية تخاطب الغرب. وبكار بدأ بصفته “متحدثًا سلفيًا عصريًا”. التشابه في التحول من التشدد إلى الواجهة الناعمة المقبولة إعلاميًا.
س: ما الذي يكشفه نموذج بكار عن تداخل الدين بالسياسة في مصر؟
ج: يكشف أن المزج بين الدين والسياسة ينتج وجوهًا براقة لكنها هشة. بكار كان واجهة لخطاب مليء بالتناقضات. ومثل هذه النماذج تسقط سريعًا لأنها قائمة على التلميع أكثر من القاعدة الشعبية الحقيقية.
س: ما أهم درس من تجربة بكار؟
ج: أهم درس ألا ننبهر بالوجوه لمجرد أنها لبقة أو أنيقة. علينا أن نسأل دائمًا: من يقف وراءها؟ ما مشروعها؟ وإلى أين تقودنا؟
الدرس الآخر أن الوعي النقدي ضروري. إذا غاب، سنظل نندهش من ظهور أو اختفاء هذه الشخصيات دون أن نفهم السياق.
س: برأيكم، هل يمكن أن يعود بكار إلى المشهد مرة أخرى؟
ج: عودة الشخصيات من هذا النوع ليست مستبعدة. التاريخ يخبرنا أن بعض الوجوه تختفي ثم تعود بوجه جديد وخطاب أكثر نعومة، لكن بجذور قديمة.
بكار قد لا يعود قريبًا، وربما لا يعود أبدًا، لكن إذا عاد فلن يكون هو نفسه الذي عرفناه، بل نسخة جديدة مصممة لتناسب خطط قادمة.
📌 بهذا الحوار المطوّل، يضع وكيل جهاز مباحث امن الدولة السابق خطوطًا واضحة لفهم ظاهرة نادر بكار: صعود سريع، اختفاء غامض، واحتمالات مفتوحة للمستقبل. نموذج يستحق الدراسة، لأنه يعكس كيف تتشكل وتختفي الوجوه السياسية في الشرق الأوسط، تحت ضغط الأزمات وتدخلات الداخل والخارج