وكيل مباحث أمن الدولة : فضيحة تعيين رئيس حي عليه احكام بالمؤبد

في مشهد هزّ الرأي العام من أقصاه إلى أقصاه، لم يكد الحبر يجف على قرار تعيين رئيس حي شرق الإسكندرية الجديد، حتى دوّت المفاجأة: القبض عليه بعد ٤٨ ساعة فقط من توليه منصبه!
والسبب؟ حكم قضائي نهائي بالسجن المؤبد في قضية رشوة واستغلال نفوذ!
واقعة لم تترك مجالًا للدهشة فحسب، بل فجّرت أسئلة بحجم الزلزال: كيف تسلّل محكوم عليه إلى قلب الجهاز الإداري للدولة؟ من مرّر اسمه؟ وأين كانت الجهات الرقابية والأمنية من هذا الكارثة الإدارية؟
هذه الحادثة ليست مجرد “سقطة فردية” كما يحلو للبعض وصفها، بل جرس إنذار مدوٍّ يقرع أبواب كل وزارة وهيئة ومؤسسة في الدولة. إنها لحظة مواجهة صريحة مع الذات، تتطلب إجابات حقيقية لا شعارات، ومسؤولية لا تبريرات.
في هذا السياق المثير، أجرينا حوارًا خاصًا مع اللواء عبد الحميد خيرت، وكيل جهاز مباحث أمن الدولة السابق، أحد أبرز الخبراء في الشأن الأمني والإداري، ليكشف لنا أين تكمن الثغرة، وكيف نغلق الباب أمام تكرار مثل هذه الفضيحة التي هزّت ثقة المواطن في معايير الاختيار والنزاهة.
🇪🇬 إليكم الحوار الكامل…
س: سيادة اللواء، كيف تقرأ واقعة القبض على رئيس حي شرق الإسكندرية بعد يومين فقط من تعيينه، رغم صدور حكم مؤبد ضده؟
ج: ما حدث صادم بكل المقاييس، لأنه لا يتعلق بفرد واحد، بل بمنظومة كاملة كان يفترض أن تمنع حدوث هذا الخطأ. أن يتم تعيين شخص صادر ضده حكم نهائي بالسجن المؤبد في موقع مسؤولية تنفيذية، فذلك يعني أننا أمام خلل مؤسسي واضح في إجراءات الفحص والتحقق قبل التعيين.
س: برأيك، أين وقع الخلل تحديدًا؟ هل في الأجهزة التي أجرت الفحص، أم في غياب التنسيق بين الجهات؟
ج: الخلل مركب. من المفترض أن أي مرشح لمنصب قيادي يمر عبر عدة مراحل مراجعة تشمل الجهات الرقابية والأمنية والقضائية. إذا كان هناك حكم قضائي نهائي، فبياناته يجب أن تكون مسجلة ومربوطة إلكترونيًا بالجهات التنفيذية. غياب هذا الربط أو ضعف المتابعة هو ما سمح بمرور مثل هذا الخطأ الكارثي.
س: هل هذا يعني أن هناك قصورًا في التواصل بين الجهات القضائية والتنفيذية؟
ج: بالتأكيد. نحن بحاجة إلى نظام إلكتروني موحّد يربط بين الأحكام القضائية وقرارات التعيين والترقية. في عصر التحول الرقمي، لا يجوز أن تعمل المؤسسات بهذا القدر من الانفصال. ما حدث في هذه الواقعة هو نتيجة طبيعية لتأخرنا في تطوير آليات التنسيق بين الأجهزة.
س: البعض يرى أن القضية تكشف أيضًا ضعفًا في الدور الرقابي داخل الوزارات نفسها؟
ج: صحيح. الأجهزة الرقابية لا يجب أن تكتفي بالتقارير الورقية، بل يجب أن تمارس فحصًا ميدانيًا وتحقيقًا استباقيًا قبل إصدار قرارات التعيين. لو كانت هناك لجنة مشتركة تضم ممثلين من الجهات الأمنية والرقابية والنيابة الإدارية، لما مر هذا الاسم من الأساس.
س: هل يمكن اعتبار ما حدث “سقطة فردية” أم “ثغرة خطيرة” كما وصفها البعض؟
ج: لا، ليست سقطة فردية. هي ثغرة خطيرة تمس مصداقية الجهاز الإداري للدولة. لأن المواطن حين يرى شخصًا محكومًا عليه بالمؤبد يجلس على كرسي مسؤول رسمي، يفقد الثقة في معايير الاختيار والرقابة. والثقة هي العمود الفقري لأي دولة.
س: ما الذي يجب أن تفعله الحكومة الآن لتجنب تكرار مثل هذه الوقائع؟
ج: هناك ثلاث خطوات أساسية:
1. التحقق الرقمي الكامل من الملفات الجنائية والوظيفية لكل مرشح قبل تعيينه.
2. الربط الفوري بين قاعدة بيانات الأحكام القضائية والأجهزة التنفيذية.
3. تشكيل لجنة مركزية لفحص أسماء المرشحين للمناصب القيادية قبل اعتمادها نهائيًا.
س: أخيرًا… ما رسالتك للمواطن بعد هذه الواقعة؟
ج: أقول للمواطن: لا تفقد الثقة في الدولة، ولكن طالبها بالتصحيح. ما حدث كشف الخلل، لكنه في الوقت نفسه فرصة للإصلاح. إذا استوعبنا الدرس وبدأنا مراجعة آلية التعيينات بجدية، سنحول الأزمة إلى نقطة تحول حقيقية في طريق بناء دولة مؤسسات قوية ونزيهة.
📰 انتهى الحوار، ولكن تبقى الرسالة واضحة:
الدولة التي تصحح أخطاءها بنفسها، لا تُهزم