عثمان الشويخ يكتب:جائزة نوبل: من ندم “تاجر الموت” إلى ميزان السلم والسياسة المعوج

ألفريد نوبل.. والاختراع الذي انقلب دماراًيُعدّ ألفريد نوبل، الكيميائي والمهندس السويدي، قامةً علميةً جابت الآفاق، لكنّ اختراعه الأبرز عام 1867، وهو الديناميت، كان نقطة تحوّل مأساوية في حياته. لقد كان نوبل يهدف من وراء اختراعه إلى خدمة مشاريع البناء والتعمير، وتسهيل أعمال الحفر والتعدين، ليصبح أداة لتقدّم البشرية.ولكن ما حدث كان معاكساً تماماً؛ إذ سرعان ما تحوّل الديناميت إلى سلاح فتاك في أتون الحروب والنزاعات، حاصداً أرواح الأبرياء. هذا الانقلاب المروّع هو ما دفع نوبل إلى الشعور بندم عميق، لدرجة وصفه بـ”تاجر الموت” في بعض الصحف. وتكفيراً عن هذا الإرث الثقيل، أوصى نوبل بتخصيص معظم ثروته لإنشاء “جوائز نوبل”، لتُمنح سنوياً لمن يقدمون أعظم فائدة للإنسانية في مجالات السلام والعلوم والأدب.ميزان نوبل اليوم: إنسانية أم تسييس؟يُطرَح التساؤل بقوة اليوم: هل لا تزال جائزة نوبل للسلام تُمنح وفقاً لمعيار الإخاء بين الأمم ونشر السلم؟ أم أنها أصبحت رهينة للتجاذبات السياسية؟ففي الوقت الذي يشهد فيه العالم إبادة جماعية وتجويعاً في قطاع غزة، يقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب داعماً كاملاً لإسرائيل، ومستخدماً حق النقض (الفيتو) ضد أي قرار دولي يدعو لوقف هذا القتل. ويقابل هذا المشهد، فوز زعيمة المعارضة الفنزويلية ماريا كورينا ماتشادو بالجائزة، تقديراً لـ”عملها الدؤوب في تعزيز الحقوق الديمقراطية”؛ وهو ما يثير جدلاً واسعاً حول معايير اللجنة. بل ويذهب الجدل لأبعد من ذلك، خاصة بعد أن أهدت ماتشادو الجائزة لترامب، في اختبار “مريب” يؤكد تبعية الجائزة للتجاذبات السياسية، ويدفع للتساؤل: هل أصبحت جائزة نوبل للسلام تُمنح لخدمة أجندات “الحرب” في إطار السعي الأمريكي للتدخل وفرض النفوذ وإخضاع العالم؟ إن هذا المشهد يعزز الرؤية القائلة بأن الجائزة باتت رهينة لألاعيب الشر التي تسعى لاصطناع ذرائع العدوان خدمةً لمصالح الرأسمالية المتوحشة العالمية في مناطق مثل فنزويلا، بدلاً من تكريم صُنّاع السلام الحقيقيين.مصر والسيسي: صمام الأمان الإقليميإذا كان المعيار الأسمى للجائزة هو “منع إشعال الحروب” و”حماية الإنسان وكرامته”، ألا يستحق الرئيس عبد الفتاح السيسي هذا التكريم بجدارة؟لقد كان الموقف المصري حاسماً ومانعاً لـ”التهجير القسري” أو الطوعي لأهالي غزة إلى سيناء، وهو الموقف الذي حال دون وقوع كارثة إنسانية وإقليمية كبرى، ومنع تصفية القضية الفلسطينية. كما نجحت القيادة المصرية في إدارة مفاوضات معقدة أفضت إلى توقيع اتفاق وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب في شرم الشيخ، مؤكدة دور القاهرة كـمرجعية محورية في إحلال السلام. وعلاوة على ذلك، اختيار مصر المستمر لطريق الحلول الدبلوماسية في ملفات شائكة كـ”سد النهضة” كان بمثابة قرار حكيم جنّب المنطقة صراعاً مسلحاً دموياً.إن هذا الدور القيادي الذي يجمع بين مواجهة الإرهاب، والدفاع عن الحدود، والعمل الدؤوب على ترسيخ الاستقرار الإقليمي ومنع تمدد الصراعات؛ يجعله مرشحاً أصيلاً يحق له التتويج بجائزة أسّسها رجل ندم على اختراعه المدمّر، لتكون منارة للسلام الحقيقي. فهل يصحح التاريخ مساره ويكرّم “صانع الاستقرار”؟