محمود ترك يكتب: خالد النبوي.. النجم الذي يجذب الشخصيات إليه لتتحول إلى نجوم

الرحلة الفنية لخالد النبوي تبرز كنموذج يوازن بين المسرح والسينما والدراما، ويؤكد أن الممثّل الحقيقي هو من يصيغ ملامح كل شخصية من داخلها وليس مجرد أداء سطحيا. وُلد في بورسعيد وتخرّج في المعهد العالي للفنون المسرحية عام 1989، وهو العام نفسه الذي بدأ فيه ظهوره الأول على شاشة السينما بفيلم ليلة عسل، ثم جاء الانطلاق الحقيقي مع المواطن المصري من إخراج صلاح أبو سيف، حيث لاحظ صانعو الفيلم في هذا الشاب أدوات تمثيلية قوية ورؤية مختلفة للأداء.

التشكّل الفني لخالد النبوي لم يكن عابراً وإنما نتاج تفاعل مع عدد من الأساتذة والمرشدين الذين أثّروا في طريقة تعامله مع العمل الفني. من بين هؤلاء سعد أردش الذي نصحه بالالتزام بدور الممثل وترك الباقي للمخرج، وهو مبدأ صار جزءاً من منهجه في تحليل الشخصيات حتى تبدو حقيقية للجمهور. كما كان لكرم مطاوع ونبيل الألفي وسميرة محسن وأشرف ذكي ورضوان الكاشف دور في تشكيل وعيه الفني؛ الأخير قال له إن الحياة الواقعية تسبق الإنتاج الفني وأن المواجهة الحقيقية تكمن في العيش قبل أن يأتي العمل، وهو ما أضفى عليه علامة الالتزام والانغماس في التفاصيل.

شهد عام 1994 نقطة مفصلية حين شارك مع يوسف شاهين في فيلم المهاجر الذي فتح له أبواب العالمية، إذ يرى النبوي أن هذه التجربة كانت عاملاً حاسماً في صوغ حضوره وتوسيع آفاقه، وهو ما تكرر معه لاحقاً في المصير وإسماعيلية رايح جاي، كلاهما رسخ موقعه كأحد الوجوه الشابة الرائدة في التسعينيات، إلى جانب مشاركاته في أعمال تاريخية واجتماعية ورومانسية وسياسية متعددة. يعكس ذلك التوازن الدقيق بين أدوار دلالية وإنسانية تعكس عمقاً فنياً وحرصاً على التنويع.

وعي النبوي العميق بالشخصية هو انعكاس لتوجيه أساتذته ولمرونه الفني؛ فبالإضافة إلى القراءة في الفنون والتشكيل البصري، تعلّم من هؤلاء كيفية بناء الدوافع الداخلية للشخصيات وربطها بسياق المجتمع. يذكَر عنه تأثره بأساليب كثيرة، ومنها التوليف بين الشعر والفقه عند الإمام الشافعي لإخراج ملامحه الإنسانية والفكرية في مسلسل رسالة الإمام، وهو أسلوب يعزز من قدرته على إعادة تشكيل الشخصية من منطقها الداخلي لا من مجرد مظاهرها.

سعى النبوي دائماً إلى التميّز من خلال اختيار الأدوار التي تعمّق حضوره وتُبقيه بعيداً عن الاستسهال. في فيلم الديلر عام 2010 أصر على أن يلقى خطابه باللغة الروسية بشكل واقعي، فاستعان بمن يجيد اللغة وتدرب كثيراً حتى يقدم المشهد دون الاعتماد على تقنيات مبتسرة، وهو ما يعكس حرصه على تحقيق الواقعية في الأداء.

لا يفارق النبوي التأكيد على تأثير والدته التي فارقت الحياة عام 2018 في تشكيل شخصيته وفنه. كانت أمّه سبباً في كل جميل يظهر فيه، تشجعه على القراءة وتدفعه لاقتناء الكتب التي تتناول الأدب والمسرح. وفي موقف مهني مبكر أظهر فيه وفاءه لإلتزاماته، رفض قبول عمل بملايين إضافية على حساب الالتزام بمسلسل بوابة الحلواني، فظل مبدأ الوفاء بالعهد أساسياً في مساره.

من ناحية التوازن بين السينما والتلفزيون، يتميز خالد النبوي بأنه من القلة القادرة على الحفاظ على حضور قوي في كلا المجالين. من نجاحه في بوابة الحلواني إلى تألقه في المهاجر ثم العودة إلى الدراما التلفزيونية في أجزاء جديدة من المسلسل نفسه، مروراً بمشاركته المميزة في المصير وإسماعيلية رايح جاي، وصولاً إلى أعماله الحديثة مثل إمبراطورية ميم وأهل الكهف، وهو ما يجعل مسيرته محكومة بالتنوع والإقدام. كما لم تغب تجربته المسرحية عن بيئته العالمية، حيث قدّم على خشبة أرينا ستيدج في واشنطن عرض كامب ديفيد الذي جسد فيه شخصية الرئيس الراحل أنور السادات، وهو دور اعتبره البداية صعباً ثم تحوّل إلى أحد أبرز أدائه المسرحي.

ولأنه من الفنانين الذين قاموا بخطوات خارج الحدود، شارك في أعمال سينمائية عالمية مثل Kingdom of Heaven ومملكة الجنة وجمعته أعمال Fair Game وThe Citizen مع نجوم عالميين، ما أكّد قدرته على الانسجام مع مدارس فنية مختلفة. ومع ذلك، يظل النبوي قريبًا من مصر وشغوفًا بمواصلة العطاء للمجتمع المحلي، مؤكداً أنه يحب بلده ولن يبتعد عنها وأن لديه الكثير ليقدمه ل جمهوره المصري والعربي.

لا يميل خالد النبوي إلى مشاهدة أعماله القديمة؛ يقول إنه لا يعود للنظر إلى الماضي ولا يسعى إلى تصحيح ما سبق، فالفنان لديه دائماً رغبة في التجدد والتحدي. وفي طموح شخصي طويل الأمد، يحلم بإخراج فيلم عن مدينة بورسعيد يعكس فترة السبعينيات، وهو مشروع كتب جزءاً من سيناريوه ويراه قريباً، لكنه يؤكد أنه لن يشارك فيه كممثل إذا لم يجد من هو أنسب للدور.

أما سماته الفنية فتبقى حاضرة من خلال “نجوم شخصياته”، حيث يحافظ على قدر من الغموض والحياد تجاه الأضواء، فهو خجول بطبعه ويفكر قبل الإدلاء بأي حديث. يرى أن النجومية ليست هدفه، بل أن تكون الشخصيات هي نجمته الحقيقية. لذلك يعتبر كل عمل فرصة لابتكار نجم جديد في كل شخصية يضيفها إلى رصيده، سواء كانت مرام في المهاجر، أو الناصر في المصير، أو دأود باشا في حديث الصباح والمساء، أو محمود عبد الظاهر في واحة الغروب، أو على الحلواني في الديلر.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى