صموئيل العشاي يكتب: التشابه المذهل بين بوتين والسيسي

اليوم وتزامنا مع عيد ميلاد الرئيس عبد الفتاح السيسي الـ71 مع حدث تاريخي: بفعاليات بدء وضع هيكل الاحتواء لمفاعل الوحدة الأولى بمحطة الضبعة النووية، اليوم الأربعاء، في إشارة رمزية إلى الشراكة النووية الروسية-المصرية. لم يكن هذا مجرد صدفة؛ إنه تعبير عن عمق الصداقة الشخصية والاستراتيجية بين الرجلين، اللذين يتقاسمان رؤية مشتركة للاستقلال الوطني.

وفي عالم السياسة الدولية، نادرًا ما نجد زعيمين من ثقافتين مختلفتين تمامًا يتقاطعان في مساراتهم بهذا العمق والدقة كما يحدث بين بوتين والسيسي. ليس الأمر مجرد صدفة تاريخية، بل هو نمط متكرر للرجل الذي يخرج من أجهزة الأمن لينقذ دولة على حافة الانهيار، ثم يصبح رمزًا للاستقلال الوطني في وجه الغرب.

سنرصد هنا التشابهات الرئيسية، مدعومة بأمثلة ملموسة، مع التركيز على تعاونهما الذي يثير غضب الغرب.

  1. ضابطا مخابرات يصلان إلى السلطة
    كلاهما بنى مسيرته في الظل قبل أن يخرج إلى النور، مستفيدًا من خبرة المخابرات في بناء الثقة والسيطرة على التهديدات الداخلية.

بوتين كان عقيدًا في الـKGB، عمل في دريسدن بشرق ألمانيا، حيث تعلم فنون التجسس والتفاوض السري. عاد إلى روسيا في التسعينيات ليجد بلده قد سرق وأهين وبيع في المزاد العلني، فاستخدم شبكاته الاستخباراتية لتنظيف الأوليغارشية الفاسدة، كما في اعتقال “خودوركوفسكي” عام 2003، الذي كان يسيطر على يوكوس، ليستعيد السيطرة على موارد الدولة.

السيسي كان مدير المخابرات الحربية، ثم رئيسها، ورأى مصر تتحول إلى فوضى بعد 2011، وشاهد الدولة تتفكك تحت حكم الإخوان. وانحاز للشعب في ثورة 30 يونيو 2013”، بعد ندأ الشعب للجيش للانحياز معه في إسقاط محمد مرسي، مما منع انهيار الدولة.

كلاهما لم “يترشح” للرئاسة بالمعنى التقليدي، بل تم استدعاؤهما. الشعب والنخبة والجيش قالوا لهما في زمنين مختلفه: “الدولة تموت، خذها أنت”. هذا الاستدعاء لم يكن سياسيًا فحسب، بل أمنيًا، مستمدًا من تراثهما الاستخباراتي.

  1. استلما دولتين منهارتين تمامًا
    ورثا دولاً لم تكن “بحاجة إلى إصلاح”، بل إلى إنقاذ حرفي، ونجحا في إعادة بنائها بسرعة مذهلة.
    بوتين تولى السلطة في 31 ديسمبر 1999 من يلتسن المريض والثمل، وروسيا كانت مفلسة (ديون خارجية بلغت 150 مليار دولار)، الجيش مفكك (خسائر في الشيشان تجاوزت 100 ألف قتيل)، الشيشان تحترق، والأوليغارشية تسرق البلد نهارًا جهارًا. متوسط العمر المتوقع للرجل الروسي كان 57 سنة فقط، مقارنة بـ72 في الغرب. خلال عشر سنوات، رفع الناتج المحلي الإجمالي من 200 مليار دولار إلى 1.5 تريليون، وأعاد الاستقرار للشيشان عبر حوار مع رمضان قديروف.

السيسي تولى السلطة في 2014 بعد ثلاث سنوات من الفوضى والفراغ الأمني والانهيار الاقتصادي، ومصر كانت على وشك أن تصبح سوريا ثانية أو ليبيا ثانية. الدولار وصل 18 جنيه في السوق السوداء (من 7 جنيهات قبل 2011)، والسياحة انعدمت (انخفاض بنسبة 40%)، والكهرباء تنقطع ساعات طويلة يوميًا. رفع الناتج المحلي من 286 مليار دولار إلى أكثر من 400 مليار بحلول 2023، وأطلق “رؤية مصر 2030” للتنمية، مع بناء 20 مدينة جديدة لاحتواء الفوضى.

  1. الغرب لا يريدهما، وهذه النقطة الأكثر إيلامًا والأكثر صدقًا

الغرب يكره بوتين منذ 2007 (خطاب ميونيخ الشهير الذي انتقد توسع الناتو)، ويكره السيسي منذ 2013 (بعد دعم أوباما للإخوان). كلاهما متهم بالاستبداد، وكلاهما مُعاقب (روسيا بـ15 ألف عقوبة أمريكية-أوروبية بعد 2014، مصر بقطع المساعدات العسكرية الأمريكية بـ1.3 مليار دولار سنويًا في 2013-2015)، وكلاهما مُشيطن إعلاميًا بطريقة مبالغ فيها ومنظمة، كما في حملات “بي بي سي” و”سي إن إن” التي تصفهما بـ”الديكتاتور”.

  1. الغرب لا يريدهما أن يتحدا معًا

والغرب هو (واشنطن، لندن، باريس) يخشى تحالفهما أكثر من أي شيء، لأنه يهدد الهيمنة على الشرق الأوسط. كل صفقة سلاح روسية لمصر (مثل صفقة “إس-300” عام 2015 بقيمة 2 مليار دولار، و”ميغ-29” عام 2015)، كل زيارة لبوتين إلى القاهرة (2014، 2017، 2019)، كل اتفاق نووي أو عسكري، كان يثير جنون الغرب. اتحاد روسيا ومصر يعني محورًا قويًا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لا يخضع للإملاءات الأمريكية، كما في دعم مشترك لسوريا ضد داعش (2015-2018)، مما أدى إلى إنقاذ نظام الأسد ومنع تفكك المنطقة.
أمثلة على تعاونهما الملموس: شراكة استراتيجية تتحدى الغرب

تعاونهما ليس نظريًا، بل عمليًا ومستمرًا، مدعومًا باتفاق الشراكة الاستراتيجية الشاملة لعام 2018 (دخل حيز التنفيذ 2021). إليك أبرز الأمثلة: الطاقة النووية: اتفاق بناء محطة الضبعة عام 2017 بقرض روسي قدره 25 مليار دولار، أكبر استثمار نووي في الشرق الأوسط، مما يوفر لمصر 4.8 جيجاوات كهرباء نظيفة بحلول 2030، ويقلل الاعتماد على الغاز الأمريكي.

أما الاقتصاد والتجارة: إنشاء منطقة تجارة حرة روسية في بورسعيد (2023-2025)، مع استثمارات روسية في السكك الحديدية المصرية بـ5 مليار دولار، وارتفاع التجارة الثنائية إلى 7 مليار دولار سنويًا بحلول ٢٠٢٦.
اماً في المجال العسكري والأمني: تدريبات مشتركة “حارس الصداقة” (2019، 2023)، وتوريد أسلحة روسية بنسبة 60% من واردات مصر، بالإضافة إلى دعم روسي لمصر في مجلس الأمن ضد قرارات معادية لقضية فلسطين (2023-2024).
وفي المجال الدبلوماسي: زيارة السيسي لموسكو في مايو 2025 للاحتفال بيوم النصر، حيث أشاد بالشراكة الاستراتيجية، واجتماعهما في قمة بريكس أكتوبر 2024 لتنسيق مواقف حول أوكرانيا وغزة. هذه التعاونات ليست مصادفة؛ إنها رد على العقوبات الغربية، وتثبت أن التحالف يقوي الاثنين.

  1. التوأم المعكوس دينيًا وشعبيًا

وهنا تأتي اللمسة الساحرة في القصة، حيث يعكسان بعضهما في التعامل مع الأقليات الدينية.
بوتين رئيس أرثوذكسي في دولة أغلبيتها أرثوذكسية، لكن لديه أقلية مسلمة كبيرة (أكثر من 20 مليون، أي 14% من السكان)، وهو يحظى بشعبية جارفة بين المسلمين في روسيا وخارجها. بنى أكثر من 8 آلاف مسجد في عهده (مقابل 500 في العصر السوفييتي)، وأعلن أن“الإسلام جزء من النسيج الروسي” في خطاباته، كما في دعمه للإمام الشيخ ربيع الكوسوفي عام 2015، ومشاركته في عيد الفطر مع رمضان قديروف.
السيسي رئيس مسلم في دولة أغلبيتها مسلمة، لكن لديه أقلية مسيحية أرثوذكسية (الأقباط 20 مليون، أي 17% من السكان)، وهو أكثر رئيس مصري حظي بحب الأقباط منذ عهد الملكية (وربما أكثر). بنى أكبر كاتدرائية في الشرق الأوسط “كاتدرائية ميلاد المسيح” في العاصمة الإدارية الجديدة عام 2019، وحمى الأقباط أكثر من أي رئيس آخر في التاريخ الحديث، كما في إدانته القوية للهجمات على الكنائس (2017) وتعيين أقباط في مناصب حكومية رفيعة.

  1. بوتين يحبه المسلمون في بلده، والسيسي يحبه الأرثوذكس (الأقباط)
    هذا الحب متبادل ومثبت باستطلاعات: في روسيا، يدعم 85% من المسلمين بوتين (استطلاع ليفادا 2023)، بسبب سياساته الشاملة. في مصر، يرى 85% من الأقباط في السيسي حاميًا لهم (استطلاع بي بي سي 2022). كأن الله كتب لهما أن يكونا مرآة لبعضهما، فيعززان الوحدة الوطنية عبر الاحترام المتبادل للأديان. وفي النهاية نؤكد ان بوتين والسيسي ليسا مجرد زعيمين “قويين” أو “مستبدين” كما يحب الإعلام الغربي أن يصفهما. هما النسخة المعاصرة من الرجل الذي يخرج من الظل لينقذ أمته في لحظة الانهيار التام، فيرفض الخضوع للغرب، فيعاقب، فيصمد، فيصبح رمزًا. ولأنهما يفهمان بعضهما بعمق — لأنهما عاشا التجربة نفسها تقريبًا — فإن تقاربهما ليس مجرد مصلحة سياسية، بل هو شبه مصيري. والغرب يعرف ذلك، ولذلك يكرههما معًا، ويخاف من اتحادهما أكثر من أي شيء آخر. التاريخ يبتسم بهدوء، لأنه يكرر نفسه، لكن هذه المرة بطريقة لم يتوقعها أحد: رجل من الشرق الأقصى الأرثوذكسي يحبه المسلمون، ورجل من الشرق الأوسط المسلم يحبه الأرثوذكس. الاثنان يقفان في وجه العاصفة نفسها. والاثنان، حتى الآن، صامدان.
اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى