في ذكرى رحيل مفيد فوزي: أسرار لم تُنشر عن علاقة خاصة بعقلية سناء جميل ومنهجها الفلسفي

تعرف عزيزى القاري مفيد فوزي على أنه المحاور الجريء، الصحفي الذي لا يهاب الأسئلة الصعبة، وصاحب الحوارات التي تُحرج دون أن تُهين، وتقترب دون أن تتطفل.
لكن هناك جانبًا من حياته لم يُكشف عنه كثيرًا، وهو انبهاره العميق بعقلية سناء جميل — الممثلة التي لم تكن مجرد نجمة على الشاشة أو المسرح، بل مدرسة في التفكير والمنهج الفلسفي.

ما يربط بين مفيد فوزي وسناء جميل ليس مجرد الإعجاب، بل تشابه الجذور والمجتمع الصعيدي؛ فهو من بني سويف وهي من سوهاج، وكلاهما نشأ في طبقة اجتماعية بسيطة، علمتهما القيم والأخلاق والتواضع.
كما أن أسرتها رفضت أن تعمل بالتمثيل ، بينما هو خاض عالم الإعلام والصحافة والإذاعة، لكن العقلية الواعية والحرية الفكرية كانت عامل جذب مشترك بينهما.

كان مفيد فوزي يعترف في جلساته الخاصة أنه لم يكن معجبًا بأدائها المسرحي أو صوتها فقط، بل بـ عقلها الناقد وجرأتها على التفكير المستقل في زمن كان المجتمع فيه يرى التفكير رفاهية ذكورية.
وكان يصفها بأنها تعيش الفن كفلسفة لا كشُهرة، وأنها تستطيع أن تقول “لا” في وجه التيار دون أن ترتجف، وأن غضبها دائمًا كان فكرًا قبل أن يكون انفعالًا.

هو لم يعشقها عاطفيًا، لكنه عشق عقلها ومنهجها؛ لم يسعَ لأن يكون قريبًا منها اجتماعيًا، لكنه قدّر وجودها كرمز للفكر الراقي في المشهد الفني.
كان يرى فيها مثالًا نادرًا للـ احترام بلا مجاملة، والجرأة بلا ابتذال، والفن القائم على القيم والموقف والوعي.
هذه الأسرار الصغيرة، التي لم تُروَ كثيرًا، تقول الكثير عن رجل لم يرى في المرأة مجرد وجه أو نجومية، بل عقلًا يُحترم ومنهجًا يُدرس.

ولد مفيد فوزي في 19 يونيو 1933 بمحافظة بني سويف لأسرة بسيطة؛ والده موظف بوزارة الصحة، ووالدته لعبت دورًا خفيًا في تشكيل وعيه وحبه للكتابة.
تخرج في كلية الآداب – قسم اللغة الإنجليزية عام 1959، وكانت اللغة نافذته الأولى لفهم العالم وثقافاته.
بدأ مشواره محررًا في مجلة صباح الخير، ثم أصبح رئيس تحريرها لمدة 8 سنوات، مميزًا بصوته الإعلامي الذي أضفى على المجلة لونها المختلف.

لم يكتفِ فوزي بصحافة المكتوب، بل نقلها إلى التلفزيون، وكان من أوائل من صدّر فكرة “تلفزة الصحافة” إلى وعي المصريين.
ومع برنامج “حديث المدينة” الذي بدأ في 13 مارس 1998 واستمر 26 عامًا، خرج إلى الشارع، وفتح حوارًا مباشرًا مع الناس حول قضاياهم اليومية، فغيّر شكل الحوار الإعلامي وجعله أقرب للناس وأكثر عمقًا في المضمون.

لم يكن السؤال عنده مجرد صياغة، بل كمين فكري يحاصر الفكرة لا صاحبها.
كان الضيف أحيانًا يظن أن السؤال استفزاز، بينما كان فوزي يراه اكتشافًا.
أجرى مقابلات مع كبار الرموز — من نجيب محفوظ إلى السياسيين والمثقفين والفنانين — مبتكرًا ما يُعرف بـ “الأسئلة الصامتة”: التي لا تُقال لكن تُفهم من تعابير الوجه وصمت المحاور.

تزوّج في 1968 من الإعلامية آمال العمدة، وكان الزواج شراكة فكرية وإنسانية قبل أن يكون علاقة عاطفية.
رحلت زوجته عام 2001، وظلّ يتحدث عنها بعاطفة صادقة تخفي خلفها صلابة الإعلام.
ابنته حنان كانت امتداد الروح؛ حملت قلم والده وذاكرته وتجربته الإنسانية.

في السنوات الأخيرة تدهورت صحته وخضع لعملية بالقنوات المرارية، ثم ازدادت متاعبه، حتى رحل في 4 ديسمبر 2022 عن عمر 89 عامًا، هادئًا كبقية المفكرين، لكنه ترك أثرًا كبيرًا في الإعلام والمجتمع.

لماذا يظل مفيد فوزي حاضرًا؟
• لأنه علّم جيلًا كاملًا أن السؤال أشبه بمشرط طبيب.
• لم يهدد أحدًا يومًا بما يعرفه، بل احترم الكلمة وقيمة الحوار.
• أثبت أن الإعلام ليس مجرد ترفيه، بل ذاكرة مجتمعية.
• وأظهر أن الذكاء وحده لا يكفي إن لم يحمِه الأخلاق، وأن الجرأة بلا احترام تفقد معناها.

في ذكرى رحيله

نستعيد مفيد فوزي اليوم ليس بعدد برامجه أو تاريخها، بل بحضور السؤال الذي يصنع وعيًا.
لأنه أحب عقل امرأة مثقفة مثل سناء جميل — من صعيد مصر مثلما هو، ومن نفس الطبقة الاجتماعية — عرف كيف يقدّر العقل والفكر قبل المظهر والشهرة.
رحل مفيد فوزي، لكن بقي السؤال، وما يبقى دائمًا هو السؤال، وحب الاستكشاف والاحترام للفكر المنير.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى