صموئيل العشاي يكتب : للغرب أقول … القادم أخطر مما تتخيلون

إن لم يستفق الغرب لجرائم تيارات الإسلام السياسي، ولم يقف أمامها موقف الرجال المسؤولين، فسيأتي اليوم الذي يصبح فيه حالهم كحال شرقنا التعيس، الذي دفع ثمن التهاون مع التطرف دمًا وخرابًا وضياع أجيال. فالتاريخ لا يرحم من يكرر أخطاء غيره، ولا يعفي من ظنّ أن النار ستبقى مشتعلة بعيدًا عنه.
لقد تعاملت دول غربية كثيرة مع تيارات الإسلام السياسي بمنطق البراغماتية قصيرة النظر؛ مرة باعتبارها “قوى سياسية قابلة للاحتواء”، ومرة أخرى تحت لافتة “حرية التعبير” و“التعددية”، متجاهلة أن هذه التيارات لا تؤمن أصلًا بالدولة الوطنية ولا بالمواطنة ولا بقيم الديمقراطية التي تتحصن بها. فهي تستغل تلك القيم لا لتدافع عنها، بل لتقوضها من الداخل.
تجربة الشرق الأوسط كانت دامغة وواضحة: حين يُترك فكر التطرف يتمدد تحت أي غطاء ديني أو سياسي، فإنه لا يعرف التعايش، ولا يعترف بالآخر، ولا يتوقف عند حدود. يبدأ بالخطاب، ثم ينتقل إلى التحريض، ثم ينتهي بالعنف والإرهاب، وتتحول المجتمعات إلى ساحات صراع دائم، وتُختطف الدولة من مؤسساتها، ويُفرض منطق الجماعة محل منطق القانون.
الخطأ الجوهري الذي ما زال يتكرر في الغرب هو الفصل المصطنع بين “الفكر” و“الممارسة”، وكأن الفكر المتطرف لا يقود بالضرورة إلى الإرهاب. والحقيقة أن كل تنظيم إرهابي مسلح سبقه تنظير أيديولوجي يبرر العنف ويُكفّر المجتمع ويُقدّس الصراع. التغاضي عن هذا الفكر هو بمثابة السماح بزرع قنبلة مؤجلة داخل نسيج المجتمع.
لا تزال أمام الغرب فرصة تاريخية لتصحيح المسار: أن يتعامل مع فكر التطرف الديني باعتباره أيديولوجية إرهابية مكتملة الأركان، تمامًا كما تعامل مع النازية والفاشية من قبل. فهذه الأيديولوجيات لم تُمنح حصانة “حقوق الإنسان” عندما ثبت أنها تهدد الإنسان ذاته، بل جرى تجريمها أخلاقيًا وقانونيًا وفكريًا، حمايةً للمجتمع والدولة والإنسان.
إن حقوق الإنسان وُجدت لحماية الإنسان من القمع والعنف، لا لتكون مظلة آمنة لمن يخطط لهدم المجتمعات ونشر الكراهية وتقويض السلم الأهلي. التسامح مع من لا يؤمن بالتسامح هو انتحار بطيء، ودروس الشرق القاسية يجب أن تكون إنذارًا لا يُهمل.
فالوقت لم ينفد بعد، لكن الساعة تدق. وإما أن يستفيق الغرب الآن، أو يكتشف متأخرًا أن ما ظنه “مشكلة بعيدة” قد أصبح واقعًا يطرق أبوابه، تمامًا كما حدث عندنا.