صموئيل العشاي يكتب : لسنا صهاينة يا هند.. الإعلام حين يشعل الفتن

خرجت الإعلامية هند الضاوي في برنامجها لتعرض مقطع فيديو لشخص أمريكي متطرف يتحدث عن إعداد مئة ألف “مسيحي صهيوني” لدعم القضايا الصهيونية والدولة الإسرائيلية، وهو طرح بالغ الخطورة.

حاولتُ التواصل معها مهنيًا عبر “الماسنجر” واخبرتها بخطورة الموقف ، لكنها اكتفت بالقول “شوف الفيديو” ورفضت الاستماع لأي توضيح أو رد. على الفور تواصلت مع الأستاذ طارق نور، رئيس الشركة المتحدة المالكة للقناة، وسألته إن كان قد شاهد الفيديو فأجاب بالإيجاب، ثم سألته إن كان يميز الفروق بين الطوائف المسيحية التي جرى الحديث عنها، فأنهى المكالمة.

صعّدت الأمر إلى الوزير المثقف الدكتور خالد عبد العزيز، رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، فأبلغني أن المجلس تحفظ على الحلقة وجارٍ دراستها بعد ورود شكاوى من أصدقاءه الأقباط، وأكدت له أن ما جرى يمثل تهييجًا ضد الأقباط ومحاولة خبيثة لإثارة الفتنة الطائفية وتأليب الرأي العام المصري والعربي ضد مسيحيي مصر والمنطقة.

استمع الرجل للشكوى كاملة وأبلغني أن اللجنة ستجتمع الأحد لدراسة الحلقة واتخاذ الموقف المناسب، وطلب مني كتابة نقاط توضيحية للجنة لفهم وجّهت النظر القبطية مكتوبة علي الوتساب الخاص به وهو ما فعلت، ثم تلقيت اتصالات من زملاء صحفيين حول القضية فقررت نشر النقاط للرأي العام بوصفه طرفًا أصيلًا فيما جرى، مع كامل الاحترام لمعالي الوزير المثقف وأساتذتنا من أعضاء وخبراء المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام كلٌ باسمه وصفته.

قدمت الزميلة هند الضاوي فقرة في حلقة برنامج “حديث القاهرة” على قناة “القاهرة والناس” تضمنت نقل فيديو لشخص أمريكي “موتور” يدعو لتجنيد مئة ألف مسيحي للدفاع عن إسرائيل، وفي نهاية الفيديو علقت الزميلة هند وطالبت الكنائس في الشرق الأوسط بالرد على هذا الكلام.

ولكن هذه الفقرة كانت لها آثار سلبية وخطيرة على مسيحيي مصر والمنطقة. فقد أخفقت الحلقة في تقديم تعريف مهني دقيق للتنوع المسيحي في مصر والشرق الأوسط، ولم توضّح الفروق الجوهرية بين الطوائف المختلفة هنا وفي الولايات المتحدة، كما تجاهلت الدور الوطني التاريخي للكنيسة المصرية ومواقفها الثابتة الداعمة للقضية الفلسطينية، بدءًا من موقف قداسة البابا الراحل الأنبا شنودة الثالث، واستمرارًا على النهج ذاته مع قداسة البابا تواضروس الثاني، وقرار المجمع المقدس، أعلى سلطة كنسية، برفض الحج المسيحي إلى القدس إلا في إطار زيارة مشتركة مع المسلمين.

وهو النهج نفسه الذي تتبناه الكنيسة الإنجيلية وفق موقف الدكتور أندريا زكي رئيس الطائفة، ولا يختلف عنه موقف الكنيسة الكاثوليكية الرافض للزيارة أيضًا. وجاء الطرح الإعلامي من الدكتور إكرام لمعي في كتاباته عن الصهيونية، والقس رفعت فكري الأمين العام المشارك في مجلس كنائس الشرق الأوسط،يرفض المزاعم الصهيونية.

بينما حمل سياق الحلقة شبهة تحريض طائفي غير مباشر، خاصة في ظل ضعف الوعي العام بالفروق العقائدية والتنظيمية بين الكنائس.

وقد لوحظ الانتشار السريع لمقاطع من الحلقة على وسائل التواصل الاجتماعي بما رسخ صورة نمطية مضللة تربط المسيحيين عمومًا بدعم إسرائيل أو الصهيونية، رغم أن الغالبية الساحقة من مسيحيي مصر هم من الأقباط المعروفين بمواقفهم الوطنية المناهضة للصهيونية. ويُخشى أن يسهم هذا الخطاب الإعلامي المرتبك في رفع منسوب التوتر المجتمعي والإضرار بمناخ السلم الأهلي، بما يهدد تماسك الوحدة الوطنية.

كما أن إصرار مقدمة البرنامج على نفي وجود أي خطأ مهني يعكس غياب المعرفة الدقيقة بطبيعة الكنائس، لا سيما أن الكنائس في الولايات المتحدة تتجاوز مئة ألف كنيسة ولا تخضع لبنية هرمية موحدة ولا يوجد لها رأس ديني واحد على غرار النموذج المصري.

وتستغل جماعات متطرفة هذه المواد المصورة كأدوات للتحريض ضد الأقباط في إطار توظيف سياسي ودعائي ممنهج، مع التخوف من إعادة مونتاج مقاطع مبتورة ونشرها مصحوبة بتعليقات تضليلية تربط الأقباط بما يسمى “مخططات صهيونية”، بما يفتح الباب أمام التحريض على العنف.

وقد جرى بالفعل الترويج لهذه المقاطع عبر منصات مثل فيسبوك وتيليجرام مقرونة بمزاعم عن دعم أمريكي لإسرائيل عبر “الإنجيليين”، وهو ما يعزز السرديات الجهادية المتطرفة التي تتعامل مع هذه الحلقات باعتبارها “دليلًا” مزعومًا على “عداء المسيحيين للإسلام”، وتستثمر لغة الخوف في تعميق الشقاق بين المجتمعات.

وفي المجمل، خلقت هذه الممارسات الإعلامية بيئة خصبة لانتشار خطاب الكراهية والتعبئة الطائفية على وسائل التواصل الاجتماعي، بما يقوض جهود الدولة في مكافحة التطرف وترسيخ قيم المواطنة والتعايش.

صموئيل العشاي
عضو نقابة الصحفيين
الامين العام لحركة الدفاع عن الأزهر والكنيسة

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى